بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 3 مايو 2021

مجلة صدى بغداد .. العدد الثالث 2021 فنانون منسيون من بلادي / الجزء الأول الحلقة التاسعة عشرة / الفنان التشكيلي جواد سليم بحث : علاء الأديب

 

 

 مجلة صدى بغداد 

العدد الثالث 2021

فنانون منسيون من بلادي / الجزء الأول

الحلقة التاسعة عشرة  / الفنان التشكيلي جواد سليم

 بحث : علاء الأديب




 

 

التقديم /

.................

لم يكن هذا البحث عن فنان منس مطقا . لأن الفنان جواد سليم رحمه لايمكن أن يغيب لبرهة عن ذاكرة العراقيين مادام نصب الحرية  شاخصا في  بغداد بما يمثله هذا  النصب لهم منذ بداية خمسينات القرن الماضي إلى يومنا هذا من تعبير عن الثورة والتمرد على كل واقع قهر مهين فهو الرمز الخالد للثورة التي كلما انطفأت يزما توقدت في غيره مادام الظلم  والإستبداد حيا .

لقد خلد هذا النصب الفنان جواد سليم كأعظم نصب في تاريخ فن النحت الحديث.

وما نحن هنا إلا لجمع أهم ماقيل وماكتب عن تلك الشخصية الفنية التي أثرتنا بعطائها رغم قصر حياتها التي لم تتجاوز الأثني وأربعين عاما فقط.

نتمنى أن نكون قد وفقنا في ذلك ..ومن الله التوفيق.

علاء الأديب.

 

 

الولادة :

...................

1921هو جواد محمد سليم عبد القادر ولد في أنقرة لأبوين عراقيين من الموصل عام

وأشتهرت عائلته بالرسم فقد كان والده الحاج سليم وأخوته سعاد ونزار ونزيهة كلهم فنانين تشكيليين، وكان في طفولته يصنع من الطين تماثيل تحاكي لعب الأطفال، ولقد أكمل دراسته الابتدائية والثانوية في بغداد.

السيرة الفنية :

......................

درس فن النحت في باريس على يد البروفيسور (كومنت) ثم رحل الى روما عام 1939 لدراسة النحت في اكاديمية الفنون الجميلة على يد البروفيسور (فونيللي) ودرس النحت ايضاً في لندن بين الاعوام (1946-1949) حيث حصل على دبلوم شرف في الرسم والنحت. يعد جواد سليم اول فنان عراقي يبذل محاولات جادة في الرسم الحديث وتعد لوحته الشهيرة (الملاريا) تتويجاً لمحاولاته الفنية خلال تلك الفترة قام بتأسيس فرع النحت في معهد الفنون الجميلة في بداية تاسيس المعهد نهاية الثلاثينات وفي عام 1951 أسس جماعة بغداد للفن الحديث واسهم مع (الرواد)، وكان المحرك الحيوي بين افراد جيله من الفنانين ويعتبر (نصب الحرية) في بغداد آخر عمل ناضج يعتبر مدخلاً لاعماله الباقية لدى التأمل في شخصية جواد سليم فأننا سنتوقف امام الظاهرة الفنية المتوارثة عائلياً.. الاب المخضرم والاخوة الفنانون الثلاثة والاخت كأنهم بحارة تمخر سفينتهم مياه الفن اللامتناهي.

بالإضافة للرسم والنحن إهتم جواد سليم بالسيراميك والكاريكتير ، كما إهتم بتصمصم أغلفة الكتب .

 

ثقافته :

...............

كان يجيد اللغة الإنكليزية والإيطالية والفرنسية والتركية إضافة إلى لغته العربية، وكان يحب الموسيقى والشعر والمقام العراقي .

نشاطه الفني :

...................

أسس جماعة بغداد للفن الحديث مع الفنان شاكر حسن آل سعيد في عام 1951م، وانضم إلى الجماعة فيما بعد الفنان محمد غني حكمت والرسامة نزيهة سليم، كما إنّه يعتبر أحد مؤسسي جمعية التشكيليين العراقيين، ولقد وضع عبر بحثه الفني المتواصل أسس مدرسة عراقية في الفن الحديث، وفاز نصبه المعنون (السجين السياسي المجهول) بالجائزة الثانية في مسابقة النحت العالمية وكان هو المشترك الوحيد من منطقة الشرق الأوسط، وتحتفظ الأمم المتحدة لنموذج مصغر من البرونز لهذا النصب.

 

تأثيرات نشأته على شخصيته :

...........................................

ولد جواد سليم  ونشأ في وسط عائلي يهتم بالثقافة والمعرفة والفنون فقد كان والده رساماً ومديراً عاماً وأخواته فنانين أيضاً (رشاد وسعاد ونزار) إضافة إلى أخته نزيهة كما كان الرسام عبد الكريم محمود معلمه واحد أقربائه لقد هيأ له هذا الوسط بعض مستلزمات التقدم والتطلع

والممارسة اليومية وكان دار العائلة في الفضل ملتقى الفنانين العراقيين والأجانب مثل باريما، وماتوشاك، وجابسكي ومدام ستن لويد، وكنت وود).

كل هذه الظروف الملائمة ساعدت جواد على مواصلة بحثه الفني كما ساعدته ظروف وجوده في لندن ما بين عام 1946 و 1950 وهكذا عاد إلى بغداد ليطرح في الوسط الفني العراقي خلاصة الأفكار والقيم الجمالية الجديدة والآراء المتطورة في مفهوم الفن التي أكتسبها خلال رحلاته تلك فكان لها تأثير كبير في تطور الحركة الفنية في العراق. إذن فأن وضع دراسة جديدة لأعماله المحصورة بين عامي 1950 و 1961 لا يتم ألا في ضوء ما تقدم من خلفية تاريخية لأعماله في الرسم والنحت ومن ثم تقييمها بروح موضوعية، فإعماله في الرسم (وهي الأكثر عدداً والأكثر تأثيراً بالنسبة للنحت) طرحت أفكاراً وقيماً جمالية تعد رائدة في تلك الفترة. فقد وجد في الرسم والتخطيط والدراسة الملونة مادة سهلة لطرح أفكاره وأرائه بعكس النحت الذي كان يحدده بسبب طبيعة المواد الوسيطة المستعملة فيه Medium تقسم إعمال جواد إلى ثلاثة مجاميع تميزها ثلاثة أساليب رئيسية مختلفة لم تكتمل فيها الرؤية الخاصة Vision والشخصية المتميزة Stil ألا على النطاق المحلي، قياساً إلى ما طرح من أمال في الوسط الفني آنذاك لقد توصل جواد إلى اكتساب تلك التجارب الصفة الشخصية من خلال ما كان يتمتع به من أحساس مرهف في الخط واللون وخاصة عندما كان يعالج مواضيع محلية بغدادية وعراقية بذكاء وفطنة، ومع هذا كانت تلك الأعمال عبارة عن تقليد ذكي وتطبيق عملي لقيم ومفاهيم معروفة ومكتشفة من قبل فناني أوربا.

 

 

من أعماله :

.................

نصــب الحريــة في بغداد، وكان آخر عمل شارك فيه جواد مع المعماري رفعت الجادرجي والنحات محمد غني حكمت في إنجاز مشروع نصب الحرية القائم في ساحة التحرير ببغداد، وهو من أهم النصب الفنية في الشرق الأوسط، ولجسامة المهمة ومشقة تنفيذ هذا العمل الهائل ففد تعرض إلى نوبة قلبية شديدة أودت بحياته.

 

من أعمال الفنـان جــواد سليـــم :

...........................................

أقيم معرض شامل لأعماله في المتحف الوطني للفن الحديث بعد وفاته ببضع سنوات

لوحات الفنان جواد سليم

    عائلة بغدادية 1953

    أطفال يلعبون 1954

    زخارف هلالية 1955

    الزفـّة 1956

    موسيقيون في الشارع 1956

    بغداديات 1957

    كيد النساء 1957

    امرأة ودلة 1957

    ليلة الحناء 1957

    بائع الشتلات 1957

    امرأة تتزين 1957

    صبيان يأكلان الرقي 1958

    الفتاة والبستاني 1958

    القيلولة 1958

    الشجرة القتيلة 1958

    فتاة وحمامة 1958

    مسجد الكوفة 1958

    الخيّاطة، 1958

    في محفل الخليفة 1958

 

كتب صدرت عنه :

................................

صدرت عدة بحوث عنه وعن فنه خاصة بحث السيد عباس الصراف الذي نشرته وزارة الاعلام.

 

السجين السياسي :

............................

ومن اعمال جواد المشهورة منحوتته (السجين السياسي) التي قام بتهريبها الى لندن عام 1953 للمشاركة في المسابقة الدولية مع 3500 نحات حيث فاز بالمرتبة الاولى لفناني الوطن العربي وبالمرتبة السادسة بالنسبة لنحاتي العالم.

 

لوحة السقّاء :

.........................

في لوحاته كلوحة (السقاء) اسئتلهم حياة الناس البسطاء وعكس عالم الطفولة في لوحات اخرى مثل (اطفال يلعبون) وغيرها من الاعمال التي توضح قدرته على تعبير عن بيئته باعتباره جزءاً من مكوناتها وحاجتها ومستقبلها المنشود.

 

من أقوال جواد سليم في تعريف الفن :

.........................................................

من اقوال جواد في الفن (الفن قطعة لموزارت قصيدة من المعري صفحة من موليير والفنان الجيد يخدم الانسان) .

وكذلك من اقواله (ليس الفن بالشيء الذي يحتاج الى فنان فقط الفن هو العيش في بقعة ما انه شيء يحدث بين انسان وما بين الارض التي يعيش عليها وهو بحاجة الى فهم ومن يفهم شعباً جديداً وارضاً جديدة كلاهما الآخر يستغرق زمناً زمناً طويلاً) .

 

ويقول عنه رفيق رحلته الفنية فائق حسن :

.............................................................

(عبرت اعمال جواد ليس عن فنه فقط بل عن مدى ثقافته العامة ومنها الادب والشعر والموسيقى وزيادة على هذا وذاك الحس والشعور المرهفان) .

 

عمر قصير من الإبداع :

.....................................

لابد من العودة إلى الظروف الموضوعية والاجتماعية والسياسية التي كانت سائدة في تلك الفترة محلياً وعربياً ودولياً وهي الفترة التي أنجز فيها جواد معظم أعماله المشهورة الرائدة في الرسم والنحت والمحصورة ما بين عامي (1950 – 1951) سنة وفاته وهي فترة قصيرة نسبياً في حياة كل فنان أما الفترة التي سبقت سني الخمسينات فقد كانت مرحلة دراسة وبحث وهي فترة مهمة جداً في تكوين هوية الفنان وأسلوبه في التفكير وفي بلورة أعماله.

 

 

جواد سليم وفائق حسن :

...................................

لم يكن في العراق في الخمسينيات سوى عدد قليل من الفنانين المتميزين نذكر منهم (فائق حسن، أكرم شكري، عطا صبري، حافظ الدروبي) غير أن جواد سليم وفائق حسن كانا من أبرز فناني تلك الفترة لأنهما أخذا عملياً يقودان الحركة الفنية التشكيلية كل من موقعه وبطريقته وخاصة في المجال التربوي حيث كان لتوجيههما طلبة معهد الفنون الجميلة والتفاف العديد من الفنانين الشباب حولهما أثر واضح في تأسيس جماعتي الرواد وبغداد للفن الحديث العرفتين في الوسط الفني حينذاك إضافة إلى ما قدمنا من أعمال فنية كانت تعد رائدة في حينها.

 

جواد سليم يعود إلى العراق :

.......................................

عاد جواد إلى بغداد أواخر عام 1949 من لندن، ومن الجائر القول بأنه في هذه الفترة قد أكمل مراحل الدراسة والتقصي والبحث إذ سبق له أن درس في باريس وروما ثم عمل في المتحف الوطني العراقي ثم أشتغل مدرساً للنحت في معهد الفنون الجميلة وعلى هذا الأساس فأنني أعتقد بأن هوية جواد لم تتحدد قبل ذلك التأريخ كما لم تتحدد معالم مسيرة الفن العراقي المعاصر إذ كانت أعمال الفنانين التشكيليين عموماً لا تتعدى حدود رسم المناظر الطبيعية أو الوجوه بصورة تقليدية أكاديمية الأسلوب ألا ما ندر من الأعمال التي تخرج من هذا لأسباب متفرقة معروفة حينذاك .

 

ظهور مدلولات جديدة في نشاط جواد سليم :

........................................................

بدأ نشاط جواد يتعمق وينمو بعد عودته من لندن، وحملت أعماله الفنية مدلولات جديدة مؤثرة وفاعلة لأنه طرح فيها أفكاراً وقيماً جديدة هي في واقعها جزء من منطلقات الفن العالمي المعاصر وقيمته الحديثة، حيث كانت مفاهيم الفن التكعيبي والتجريدي ما زالت هي المحركة والفاعلة في أوربا والعالم أجمع، وكانت تجارب بيكاسو وبراك أعمق الفنانين المعاصرين تأثيراً في معظم تجارب الشباب، وبعض النزعات الفنية التي أعقبت تلك الفترة يومذاك ظهرت ولأول مرة بوادر الاهتمام بفنون الشعوب الأخرى وتراثها القومي كما برز الاهتمام بقيمها الفنية الرائعة وكان لمعرضي الفن الهندي والمكسيكي المتجولين في أوربا الأثر العميق في نفوس الفنانين الشباب من دون العالم الثالث، وعلى الأخص الفنانين العرب المقيمين أو الدارسين هناك في تلك الفترة نظراً الأهمية ما طرح في المعرضين المذكورين من مفاهيم جديدة كانت تتسم بروح المعاصرة المستندة إلى التراث القومي والملامح الوطنية لتلك الشعوب.

لقد عاد جواد وهو يحمل أفكاره وتطلعاته الجديدة مستفيداً من إتقانه للغات عديدة منها الإنكليزية والفرنسية التي أتاحت له التعرف بدقة على أحدث الأفكار والمنطلقات الجديدة في الفن والثقافة بصورة عامة .

 

 

مجموعته التي عرضها في جماعتي الرواد وجماعة بغداد للفن الحديث :

..........................................................................................

 كانت تلك المجموعة تمثل مناظر طبيعية أو وجوها شخصية فكانت لا تتعدى تجارب الانطباعيين وما بعد الانطباعية، أما المجموعة الثانية فيمكن حصرها في مجال التأثر بمدارس فنية معروفة منها التكعيبية والتجريدية الهندسية أو التجريدية المطلقة كما في لوحاته ( أطفال يلعبون، القيلولة، البستاني، الكوفة، بغداد) فنحن نلاحظ فيها تأثيرات واضحة ومتعددة لفناني تلك الفترة كبيكاسو أو براك وحتى الفنان المكسيكي (تمايو) رغم قلتها ولابد من الإشارة هنا إلى أن معظم الفنانين العراقيين في تلك الفترة على قلتهم كانت تنتهل من مصادر إلهام تكاد تكون واحدة، لآن معظم الفنانين الرواد الذين عادوا من أوربا في أوائل الخمسينات كانت تأثرات المدارس الأوربية لا زالت مؤثرة بشكل أو بأخر على معظم نتاجاتهم أو تفكيرهم أما الاختلاف الحاصل بينهم فيمكن في القابليات والثقافات والتجارب الفردية لكل منهم، ولم تتحدد هوية الفن العراقي ألا بعد مرور زمن ليس بالقصير حيث تبلورت أساليب الفنانين وظهرت سمات واضحة لمسيرة الفن العراقي. أما المجموعة الثالثة من أعمال جواد وهي الأكثر أصالة في اعتقادي باعتبارها تعكس فكر جواد الحقيقي وتحمل قضيته فهي الأعمال التي حاول فيها استلهام التراث العربي وبشكل خاص التراث البغدادي تكنيكياً وشكلياً أي الاستفادة من العناصر الأساسية في تكوين اللوحة عند يحيى الواسطي على سبيل المثال وهي في نظري تمثل البداية السليمة للانطلاقة الجديدة في الفن العراقي، وعلى الأخص لدى شباب الفنانين ويعود الفضل في ذلك لذكاء هذا الفنان الفذ وقابلياته وما قدمه.

 

 

الأساليب المختلفة سمة لأجمل لوحات جواد سليم :

...............................................................

ومن أعماله الجميلة والرائدة التي اعتبرت الأولى من نوعها في العراق لوحاته المعروفة: (مجلس الخليفة، مكر النساء، عيد الشجرة) وغيرها فكان تأثر جواد برسوم يحيى الواسطي مباشراً وعميقاً وخاصة في أسلوب تكوين اللوحة وتوزيع المساحات اللونية وطريقة رسمها وتخطيطها دون التعميق في جوهرها، والتأثر اللاواعي بروح العصر الذي ظهرت فيه لقد رسم جواد مواضيع بغدادية بأسلوب تراثي ولكن بفكر الفنان المعاصر، ومع ذلك لم تؤثر تلك الأعمال القليلة العدد نسبياً التأثير المباشر الواضح على الفنانين الشباب من بعده لأنها لم تتكامل نظرياً كما لم تتركز معالمها أو أسلوبها العملي ولأخطها الفكري أيضاً، ومع ذلك فقد بقي مدلولها المعنوي أو ألتأريخي بالنسبة للحركة فكانت مؤشراً وحافزاً جيداً بالنسبة للتجارب اللاحقة لما لها من إشارات واضحة نحو الاتجاه الذي كان يجب أن تصب فيه روافد الفن العراقي خاصة ما يتعلق منه بالتراث حيث كانت البداية أساساً لتكون فن وطني وقومي ومعاصر في نفس الوقت ولهذا السبب بالذات تكونت جماعته (جماعة بغداد للفن الحديث) أما أعماله في النحت فهي قليلة نسبياً، ويمكن حصر المشهورة منها والتي لا تتجاوز أصابع اليد، ومع ذلك نرى بوضوح تعدد الأساليب والرؤية منها حيث لم تنضج شخصيته بشكل كامل ألا في نصب الحرية الشامخ وهو بحق يستحق أن تفرد له دراسة كاملة. أما تلك الأعمال النحتية القليلة فلم يكن لها تأثير واضح على حركة النحت في العراق ألا بشكل محدود كما أنها لا تعطي مدلولا واضحاً عن أفكار جواد في الفن وقيمته الإبداعية بعكس أعماله في الرسم كما وأضحت سابقاً فإذا أخذنا على سبيل المثال أعمالاً نحتية مثل (وجه فتاة) خشب (أم طفل) خشب (أم وطفل صغير) خشب (القروية) جبس نحت بارز، (السجين السياسي المجهول) وأخيراً نصب الحرية، ونجري دراسة مقارنة بين هذه الأعمال فأننا نجدها 

وبكل وضوح تنتمي إلى أساليب مختلفة تماماً ونرى بوضوح التأثر بالعديد من المفاهيم الفنية المعاصرة. فإذا أخذنا مثلاً السجين السياسي المجهول) الذي أنجزه في سنة 1953ونصب الحرية الذي أنجز دراسته في عام 1959 فأننا سنرى بوضوح الفرق الشاسع بين الأسلوبين والقيم الفنية المطروحة في كليهما لأنهما أنجزا وفق رؤيتين مختلفتين تعودان لمرحلتين زمنيتين متباعدتين نمت خلالها نظرة جواد الفنية وتعمقت جذور أصالته، كما نلاحظ ابتعاده شيئاً فشيئاً عن تأثيرات الفنون الأوربية.

 

نصب الحرية أعظم عمل في النحت المعاصر :

.............................................................

أن نصب الحرية يعد بحق من أكبر الأعمال وأعظمها في النحت المعاصر، حيث حقق جواد في هذا الإنجاز الرائع كل ما كان يصبو إليه من قيم فنية لذا فأننا نرى فيه خلاصة ما كان يريد أن يقوله ويعبر عنه منذ أن تأثر بفنون وادي الرافدين ودراسته في باريس مع أستاذه (جانيو) الذي يعد من أكبر فناني النحوت البارزة في فرنسا، ودراسته في كل من روما ولندن بعدئذ حتى انتهت به هذه المسير القصيرة من عمره الفني بهذا الإنجاز الكبير {أن العودة إلى التراث والفنون القومية يظهر بشكل غير إرادي وبصورة غير مباشرة بل هي عملية استيعاب وطرح من حيث لا يعرف الفنان كيف ومتى تظهر}

 

وفاته :

....................

كتب الأستاذ خالد القصاب عن وفاة الفنان جواد سليم مستذكرا في مجلة الفنون الجميلة

في شهر كانون الثاني 1961م، أصيب جواد سليم بنوبة قلبية مرة أخرى، وكان قد أصيب بنوبات متعددة أثناء دراسته في انكلترا وفي ايطاليا، عندما كان مرهقا بعمل نصب الحرية لثورة 14 تموز 1958م، واذكر انه شكا لي من الم في صدره ونحن في سيارتي قاصدين مطعم (الباجة) في شارع الشيخ عمر بعد منتصف الليل .

ادخل جواد بصورة مستعجلة إلى الردهة الثامنة في المستشفى الجمهوري، ولازمته هناك مع الدكتور سالم الدملوجي (صديقنا الحميم وأستاذ الأمراض الباطنية في وقت لاحق). وأجريت له كل ما تطلبه حالته، وكانت زوجته (لورنا) تلازمه طيلة الوقت .

غطوا وجهه الشاحب بقناع الأوكسجين وربطوه بأنابيب طبية متعددة. تحسن وضعه في الأيام الأولى لكنه أصيب بنوبة قلبية ثانية فجلل العرق وجهه ونزل ضغطه وبدا عليه صعوبة في التنفس وعطش للأوكسجين مع حالة من هذيان يصاحب عادة هذه الحالات. قال لزوجته: (تصوري إني أراك الآن ملاكاً  تصوري أنت لورنا ملاك). ثم علت وجهه ابتسامة ساخرة اختفت فجأة وجمدت عيناه فتوقف كل شيء.

أصابنا الوجوم أنا وسالم ولورنا، ففصلتُ عنه أنابيب الأوكسجين والتغذية وهو بلا حراك، مات جواد ولم يتجاوز عمره اثنين وأربعين عاماً.

وانتقل بذاكرتي إلى غرفة الأموات المظلمة في المستشفى، وجسد جواد مسجى على منضدة (البورسلين) الأبيض، سال من الأعلى خيط نور صغير ليخترق الظلمة ويسقط فوق وجه جواد الشاحب .

وفي ركن الغرفة تجمعت ظلال الأصدقاء تبكي المشهد الكئيب: حافظ الدروبي وإسماعيل الشيخلي وسعد شاكر ومحمد عبد الوهاب وباهر فائق وسالم الدملوجي وخالد القصاب. وانبرى النحات خالد الرحال يخفق بيده عجينة (البلاستر) يغطي بها وجه جواد ولحيته ليعمل منها قناعاً لوجهه والدموع تنهمر من عينيه، تكسر القناع عدة مرات لرداءة المسحوق، فأسرع سعد شاكر في الذهاب إلى معهد الفنون الجميلة لجلب مسحوق بديل، فأعاد الرحال عمل القناع مرة أخرى، وهنا أطلق باهر فائق صرخة من قلب الظلام: (خالد لاتخنق جواد)، وانخرط الجميع بالبكاء.

توفي جواد صبيحة يوم 23 كانون الثاني 1961م، وشُيع جثمانه بعد الظهر من معهد الفنون الجميلة في الكسرة بجمع مهيب إلى مثواه الأخير في مقبرة الاعظمية. ركب إلى جانبه بالقرب من التابوت في السيارة التي تحمل النعش فائق حسن واخو جواد سعاد سليم وإسماعيل الشيخلي وفرج عبو.

وسار خلف السيارة مشياً على الأقدام عميد معهد الفنون الجميلة وأساتذته والشاعر محمد مهدي الجواهري والفنانون وطلاب المعهد. وكان شكري المفتي معاون عميد المعهد قد اتصل بشباب الاعظمية لاستقبال الموكب استقبالاً يليق بما يستحقه من احترام .

غابت الشمس الحمراء خلف الأفق، وبقي لحن الكيتار الأخير من أغاني الفلامنكو الحزينة التي كان يعزفها جواد يرن طرياً في أذني، لم يذو مع السنين بل ظل يحكي لي قصة عبقرية نادرة انتهت بعد عمر قصير، ذهبت ولن تعود .

 

رحم الله الفنان الخالد إلى الأبد جواد سليم وأحسن مثواه

 

 

المصادر :

.................

ويكبيديا الموسوعة الحرة.

صحيفة الأخبار

صحيفة المدى للثقافة والفنون

مجلة الفنون الجميلة / الأستاذ خالد القصاب

موقع الناقد العراقي

محليات السومرية

موقع كتابات

 

نلتقيكم بإذن الله في حلقة قادمة من مسلسل {فنانون منسيون من بلادي}

نستودعكم الله.

علاء الأديب

تونس / نابل

17/4/2020

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق