العدد 2 لسنة 2017
قصة من التراث الإسلامي العربي
انتقاها : الدكتور مظهر صادق التميمي / العراق
يحكى أنه كان هناك ساق إسمه محمد يبيع الماء للناس وهو يتجول بجرته الطينية في الأسواق وقد أحبه كل الناس لحسن خلقه ولنظافته وذات يوم سمع الملك بهذا الساقي فقال لوزيره : إذهب و أحضر لي محمد الساقي . فذهب الوزير ليبحث عنه في الأسواق إلى أن وجده وأتى به الملك قال الملك لمحمد : من اليوم فصاعدا لا عمل لك خارج هذا القصر ستعمل هنا في قصري تسقي ضيوفي وتجلس بجانبي تحكي لي طرائفك التي اشتهرت بها. قال محمد : السمع والطاعة. عاد محمد إلى زوجته يبشرها بالخبر السعيد وبالغنا القادم وفي الغد لبس أحسن ما عنده وغسل جرته وقصد قصر الملك فدخل الديوان الذي كان مليئا بالضيوف وبدأ بتوزيع الماء عليهم وكان حين ينتهي يجلس بجانب الملك ليحكي له الحكايات والطرائف المضحكة وفي نهاية اليوم يقبض ثمن تعبه ويغادر إلى بيته . بقي الحال على ما هو عليه مدة من الزمن إلى أن جاء يوم شعر فيه الوزير بالغيرة من محمد بسبب المكانة التي احتلها بقلب الملك وفي حين كان الساقي عائدا إلى بيته تبعه الوزير وقال له : يا محمد إن الملك يشتكي من رائحة فمك الكريهة. تفاجأ الساقي وسأله : وماذا أفعل حتى لا أؤديه برائحة فمي؟ فقال الوزير : عليك أن تضع لثاما حول فمك عندما تأتي إلى القصر. قال محمد : حسنا سأفعل. وعندما أشرق الصباح وضع الساقي لثاما حول فمه وحمل جرته واتجه إلى القصر كعادته فاستغرب الملك منه ذلك لكنه لم يعلق عليه واستمر محمد يلبس اللثام يوما عن يوم إلى أن جاء يوم وسأل الملك وزيره عن سبب وضع محمد للثام فقال الوزير : أخاف يا سيدي إن أخبرتك قطعت رأسي. فقال الملك : لك مني الأمان فقل ما عندك. قال الوزير : لقد اشتكى محمد الساقي من رائحة فمك الكريهة يا سيدي ويقول عليك أنك أبخر . أرعد الملك و أزبد وذهب عند زوجته فأخبرها بالخبر قالت : من سولت له نفسه قول هذا غدا يقطع رأسه ويكون عبرة لكل من سولت له نفسه الإنتقاص منك. قال لها : ونعم الرأي. وفي الغد استدعى الملك الجلاد وقال له : من رأيته خرج من باب قصري حاملا باقة من الورد فاقطع رأسه. وحضر الساقي كعادته في الصباح وقام بتوزيع الماء وحين حانت لحظة ذهابه أعطاه الملك باقة من الورد هدية له وعندما هم بالخروج التقى الساقي بالوزير فقال له الوزير : من أعطاك هذه الورود؟ قال محمد : الملك. فقال له : أعطني إياه أنا أحق به منك. فأعطاه الساقي الباقة وانصرف وعندما خرج الوزير رآه الجلاد حاملا لباقة الورد فأخذه وقطع رأسه وفي الغد حضر الساقي كعادته دائما ملثما حاملا جرته وبدأ بتوزيع الماء على الحاضرين استغرب الملك رؤيته لظنه أنه ميت فنادى عليه وسأله : ما حكايتك مع هذا اللثام ؟ فقال محمد : لقد أخبرني وزيرك يا سيدي أنك تشتكي من رائحة فمي الكريهة و أمرني بوضع لثام على فمي كي لا تتأدى. سأله مرة أخرى : وباقة الورد التي أعطيتك؟ قال محمد : أخذها الوزير فقد قال أنه هو أحق بها مني. فابتسم الملك وقال : حقا هو أحق بها منك و حسن النية مع الضغينة لا تلتقيان. . قال تعالى : بسم الله الرحمن الرحيم ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ ﴾ صدق الله العلي العظيم . اللهم طهر قلوبنا من الحقد والحسد والسنتنا من فسق القول والكذب .