العدد 8 لسنة 2016
فراشة الأوجاع
للشاعر العراقي خلف دلف الحديثي
إليها من أعلى مكان في القلب فراشةُ الوجعِ
وسيدةُ الألمِ :
قدمُ الرّحيلِ يدوسُ فوق قفاري
ويدوسُ غاباتِ الخيالِ مداري
وأنا احتضارُ الذكرياتِ بدفتري
وبها يفتّ الإحتراقُ إساري
وبه تقيّدني السطورُ بخيطِها
ويداهُ تشكمُ باللهيبِ مَساري
وجهي تجاعيدٌ تقصُّ حكايتي
وصهيلُ عمري صرخةُ الأقدارِ
وأنا بكاءُ العمرِ في وادي البُكا
وأنا انتظارُ الإنتظارِ بداري
نحْوي رجعْتُ وفيّ كبّلني الأسى
وتكسّرَتْ بيدِ الزمانِ جراري
وتناثرَتْ فوقَ الرّمال ملامحي
وبها عثرْتُ بهيكلِ الأشعارِ
وبها اختفى ظلّي بخيمةِ غربتي
واعتلّ مزماري ووجْهُ نهاري
سأعيدُ أنفاسَ الأنا نحْوَ الوَرا
وأهدّ في فأسِ الوراء جداري
لكَ أنْ أعيدَ منَ الغيابِ رؤى المتى
وأشدّها شُعلاً لِتُشْعِلَ ناري
عِدْني بأنّكَ لنْ تكونَ سوى أنا
وأنا إليكَ ألمُّ موجَ بحاري
هو لونُ وجهِك فيه تمْطرُ ضحكتي
عندَ الظّلالِ ورجفةِ الأنوارِ
فاغسلْ بثلجِكَ لوْنَ وجْهي واحترسْ
منْ أنْ تمسَّ روائعَ الأعطارِ
واصلبْ على عودِ الظلامِ جنازتي
واقرأ بقراني وطفْ بمزاري
وانهضْ إليّ أراكَ تمشي مُوهناً
ويدُ المحالِ تجرّني لِعثاري
والبسْ رداءَ تنهّدي وتوجّعي
ليلفّ كركرةَ الشّطوطِ دِثاري
لكَ أنْ أعيدَ إليكَ تاريخَ المتى
لأكونَ أوّلَ مَنْ أُرى بمطاري
فاعْزفْ كما تهوى نشيدَ مآتمي
وإليَّ ردِّدْ نفْحةَ الأذكارِ
وليَ ابتكرْ عُشبي وهمسَ وسائدي
وإليّ سافرْ في خطى الأمطارِ
فالتائهونَ أنا ودربُ قوافلي
ولهمْ ستحمِلني دروبُ سِفاري
وحْدي وذاكرتي تُجذّرُ شكْلَها
لتُعيدَني لفمِ اللظى ودَماري
لكَ أنْ أكونَ وما أريدُ سِوَى أنا
مِنْ أنْ أكونَ وأنْ تكونَ جواري
لكَ أنْ أكونَ إليكَ هزْجَ مواسمٍ
ويدي تداوي جرحَها ودُواري
فالعائدونَ على جنائزِ موتِهم
ما زلْتُ فيهم أرتجي أوْطاري
غابوا وأعينُهم هُنا مشبوحة
لرؤى الدّيارِ وضحكةِ النوّارِ
أنا ما رأيْتُ سِوى هُنا آثارِهم
تحْمي بقايا خطوِهم آثاري
فبلا خُطاك أرى الطريقَ غريبةً
أحجارُهُ وبها انتهى مِشواري
ويدي تحاصِرُني وتشْكُمُ خيطَها
حولي وتعْجنُ بالسّراب سواري
أنا منْ أكونُ وأنتَ بعْدكَ مَنْ أنا
لو غادرَتْ عن غصنها أطياري
أنا إنْ رجعْتُ وكفّ موتِكَ صافحَتْ
كفّي وودّعَ كفّهُ تذكاري
مَنْ ذا سيلقاني ويزرعُ في فمي
قبلاتِهِ ويزقّني بثماري
مَنْ ذا سيشْبِكُني ويزرعُ وردَهُ
بدمي ويصبغُ بالنزيفِ عَراري
متمرّدٌ وجعي يُشاققُ رَغبتي
ويدي يُعاندُ رجفَها إيثاري
عَطشي يُحطّمُني بمعْولِ حقدِه
فغزا جهاتِ الأنتظارِ غُباري
للرّاحلينَ الآنَ تركضُ خُطوتي
حتّى يُشيّعَهم إليّ قِطاري
للرّاحلينَ شموعُ روحي أُحْرِقَتْ
وتكَسّرَتْ برحيلِهمِ أدواري
يا أنتَ يا هذا الزمانُ أمَا كفي
منّي سلبْتَ لأجْملِ الأزهارِ
***
16/9/2016 عمان
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق