العدد3 لسنة 2016
بقلم د فالح الكيلاني
ابراهيم بن قيس الحضرمي امير السيف والقلم
هو الإمام أبو إسحاق ابراهيم بن قيس بن سليمان الحضرمي بذل نفسه في سبيل الله شاعر مبدع عبر بشعره عن جهاده وحياته، فكني ( أمير السيف والقلم) .
نشأ الشيخ إبراهيم بن قيس في حضرموت في حياة والده في النصف الثاني من القرن السادس الهجري أي بعد سنة \ 455 هجرية وارتوى من علم والده المعقول والمنقول بحيث اصبح مصدرا لكل فضيلة ومتبعا لكل كمال. مسموع الكلمة كان عالما ورعا، مصلحا ذا هيبة في قومه وبسالة في مواطن الدفاع والذود عنه . وفي شبابه يقول في الغزل:
ان الكواعب ما منهن كاعبة
الا ترقرق في روض القبى الخضر
تسقي نضارتها ريا طراوتها
ماء الشباب الذي ما ان يزال طري
بيضاء ناضرة بين النضار تضيء
في نضرة نظرت في ناظر نضر
غراء زاهرة زهراء تقصر عن
اشراقها زهرات الشمس و القمر
نجلاء في كحل كحلاء في دعج
دعجاء في حور حوراء في فتر
فرعاء لو سقطت أثوابها اعتقرت
في فرعها الرجل المغدردر العكر
ترخي اذا كشف المحبوب مقنعها
عند العناق قناع الغنج و الخفر
ولما رأى بلده بحاجة اليه و فيه هوان وفساد شمر عن ساعده للذود عنه فطلب الزعامة من أئمة عُمان ليشيد دولة قوية ويحقق مبتغاه وطالبهم بالجهاد في سبيل تحقيق النصر والظفر ولما لم ير استجابة لطلباته المتكررة اضطر الى السير الى عمان ينفسه واقام بينهم اعواما عديدة لكنه لم يفلح في استمالتهم في الدفاع عن بلدهم ولم يصادف آذانا صاغية اليه . فعاد منكسر الخاطر. إلى حضرموت مسقط راسه وبلده الاصلي . و وكان له مخاطبات مع والده شعرا ونثرا طيلة فترة بقائه في عمان. ومن شعره:
ومن شعره :
هذا الزمان زمان حيث ما نظرت
عين به و قعت منه على عبر
قل للغرير الذي أبدى نواجذه
غدا سيبسم يوم الفصل عن كشر
يوم التغابن لا تدري تساق اذا
سيق الورى زمرا في أية الزمر
تعصي الاله وترجوا الفوز منه غدا
تثكلك أمك من يرمي بلا وتر
من خاف أدلج ان الخائفين لهم
في الليل همهمة بالذكر و السور
الإمام إبراهيم بن قيس عاصر الشيخ محمد بن إبراهيم الكندي المقيم في عمان صاحب ( كتاب بيان الشرع ) في73 جزء .
وكان الإمام إبراهيم بن قيس يأتي إلى عمان ليستقي العلم والمعرفة وكان يجالس الشيخ محمد بن إبراهيم الكندي ويتتلمذ على يديه ويتعلم منه . وقيل عندما أراد أن يرجع إلى اليمن قال له الشيخ محمد بن إبراهيم الكندي لك عندي وديعة فخذها إن شئت ؟
فقال الإمام إبراهيم بن قيس : وما هي ؟
قال الشيخ محمد : ابنتي أريد أن أزوجك بها .
فوافق الإمام إبراهيم وتزوجها وأخذ زوجته وانصرف مع قومه . و حدث في الطريق أن وقع قتال بينه وجماعته وفريق اخر . فأراد الإمام إبراهيم أن يدخل ميدان المعركة ويشارك في القتال ولكنه تذكر زوجته التي لم يدخل بها بعد ، فرجع إليها وأخبرها بالأمر وإنه يريد الدخول عليها بدلا أن تظل هكذا فوافقت شريطة أن يكتب ورقة بخط يده كإثبات منه لها وللناس . و بعد ذلك أنصرف الإمام إبراهيم وذهب للمعركة مقاتلا وقائدا ولم يعد وغادر اليمن فرجعت زوجته إلى( نزوى ) مع قومها . وبعد فترة ظهرت عليها أثار الحمل ، فشاع الخبر بين الناس ، واندلعت ألسنة النساء بالقذف وإنها ستنجب من دون زوج وذلك لأن الإمام لم يسمع أحدا عنه بإنه دخل عليها .
وكان والدها الشيخ محمد رجل ايمان و تقوى وعدل وكان قاضي القضاة في زمنه فحكم على ابنته بالرجم وذلك لأنها متزوجة ، فتم الإعلان عن موعد تنفيذ الحد عليها بالرجم .
وفي اليوم المحدد تم إحضار ابنة الشيخ محمد بن إبراهيم بأمره إلى موضع التنفيذ وتم حفر الحفرة التي سترجم فيها ، وتم إنزالها إلى الحفرة ، وكما هو معروف إن الإمام أو القاضي يجب ان يكون هو الذي يقوم برمي أول حجر على المرجومة . وحينما أراد الشيخ محمد أن يرميها ، صرخت وقالت:
- قفوا ، قفوا ....
فسألها والدها : ولماذا ؟
فقالت : عندي ورقة من زوجي الإمام إبراهيم بن قيس يثبت فيها بإنه دخل بي ،
فأخرجت الورقة أمام الناس واندهشوا من ذلك ؟ !! وتم إلغاء التنفيذ فسألها والدها : لماذا لم تتكلمي سابقا ؟؟
فقالت : لأني خشيت أن يقول الناس بإن الشيخ محمد لم يقم الحد على ابنته وهي زانية وهم لا يعرفون بأمر الورقة ، فأردت أن يراها الجميع وحتى لا يشككون فيها و في عدلك .
وانتهى هذا الموقف الحرج .
بعد ذلك ولدت ابنة الشيخ محمد وكان المولود ذكرا ، وبعد أن كبر الطفل وأصبح في ريعان شبابه و صار فارسا شجاعا مغوارا . وشاء الله أن يتبارز الإمام إبراهيم بن قيس هو وولده دون ان يعرفه في إحدى المعارك التي كانت تقع لقمع الفتن دون علمهم بحقيقة امرهم وأثناء مبارزتهما لم يستطع الإمام إبراهيم أن يتغلب على ولده وكذلك لم يستطع الولد أن يتغلب على والده ، وكان الإمام إبراهيم يراقب حركات ولده باستغراب وهو يقول في نفسه عجبا لهذا الشاب أنه يشبهني كثيرا في أفعالي فقرر أن يسأله فاقترب منه وقال له قف لحظة فسأله:
- من أنت
فأخبره باسمه
فقال الإمام ابراهيم : وهل والدتك فلانة ابنة فلان ؟
فقال : نعم .
فعند ذاك قال له :
أنا والدك
فتعانقا وتصافحا وانتهى القتال بين الطرفين .
ولما نصب الخليل بن شاذان إماما لعمان وكان رجلا شهما جليلا، ذا صولة متصفا بالصلاح والتقى مشهورا مشهودا له بالعدل . فكاتبه بعض إخوانه وطلبوا حضوره الى عمان فأسرع بالذهاب وكرر مطاليبه على الإمام خليل فلبى دعوته، واعانه بالمال والرجال، فسار الى عمان فاحتلها في أربعة عشر يوما فنصبه الخليل اماما .
ولما نصب ( الخليل بن شاذان) إماما (لعمان) وكان رجلا شهما جليلا، ذا صولة متصفا بالصلاح والتقى مشهورا مشهودا له بالعدل . فكاتبه بعض إخوانه وطلبوا حضوره الى ( عمان) فأسرع بالذهاب وكرر مطاليبه على الإمام ( خليل ) فلبى دعوته، واعانه بالمال والرجال، فسار الى عمان فاحتلها في أربعة عشر يوما فنصبه (الخليل ) اماما
ولما نشبت حروب بين ابراهيم الحضرمي وبين (الصليحي) القائم بدعوته في نواحي اليمن ووقعت بينهما معارك عديدة وكان الفوز فيها للامام الحضرمي . وبقي ابراهيم عاملا للإمام (الخليلي) بحضرموت ثم للإمام ( راشد بن سعيد) من بعده كان له قائدان يعتمد عليها في اموره هما (عباس بن معن بن موشب) سلطان عامر كنده. والثاني (سويد بن يمين) وأقام تسع سنين بعيدا عن أهله يعمل على يبسط العدل وكان شديد الحزم جلدا صبورا استطاع ان يوطد الأمن بين الناس . ويقول في هذا المجال:
أبدى الغرير شماة لامرء كثرت
أوصابه و نسي لواحة البشر
ليس الشقاوة ما في الدهر من وصب
ان الشقي هو المنبوذ في سقر
فصارت له شوكة قوية ودولة زاهرة وصولة ظاهرة
شهد فيها الحق وله غزوات عديدة في البحر حتى إلى بلاد الهند،.
و له مع والده مخاطبات شعرية رائعة منها قصيدة البائية الاتي ذكرها .
و قد عمر زمنا طويلا، و رزقه الله تعالى في حياته ذرية صالحة، وتوفي له في حياته ولدان له هما محمد وأبو الحسن، وقد بلغا مبلغا عظيما في العلم والمعرفة.
توفي في سنة \475 هجرية - 1082 ميلادية ولد ديوان شعر ( ديوان السيف النقاد ) وكتاب ( مختصر الخصال) .
الشيخ ابراهيم الحضرمي علامة فقيه في الدين، والقران الكريم بذل نفسه في سبيل الله و شاعر مبدع عبر بشعره عن جهاده وحياته، فكني كما اسلفت ( أمير السيف والقلم ) فكان له في الشعر والفصاحة والبلاغة باع طويل. ويصف عذاب الاخرة يوم القيامة فيقول:
من كان يسحب و الامعاء تتبعه
بين السلاسل و الأغلال في سعر
من كان تحت شعاب النار تضربه
بنار فيض صديد منتن قذر
من كان جثته دبراء قد نضجت
بالجمر و هو يلقى الجمر بالدبر
من كان مغترضا حمى تململه
ينكب من حجر عمدا الى حجر
من كان ديباجتاه النار حين يرى
فوق الحديد اذا قلبن في الزبر
من كان تنهشه الحيات وهو على .
ما عنده عطش غرثان ذو ضجر
من كان يأكل زقوما فيصهر ما
في بطنه قطعا في القبل و الدبر
من كان من قطران لابسا قمصا
تشوي الشوى بصديد الظهر و الفقر
من كان في غمرات الموت يطلب أن
يقضى عليه فما ينجى من الغمر
طافت به ظلل من فوقها ظلل
من تحتها ظلل مسودة القطر
فالجمر يرفعه و القمع يردعه
و اللهب يسفعه باللفح و الشر
يتميز شعره بالفصاحة والسلاسة وتغلب عليه المسحة الوطنية والدينية اضافة الى قوة الألفاظ المستعملة و دقة التعبير و رصانة الوزن و القافية , وقد أثر بشعره الحماسي الوطني في شعراء الإباضية من بعده على مر الأجيال وبذلك يعتبر كمدرسة فريدة ميزت خصائص شعر الشراة الإباضية.
واختم بحثي بهذه القصيدة الرائعة التي اشرت اليها انفا
وفيها يقول:
تضيق على الوهن البليد المذاهب
إذا ضاق أو عزت عليه المطالب
وأما الامام الأريحيّ فإنه
يفيض إِذا ضاقت عليه المذاهب
ألم تر أني كلما أخلف الرجا
بأرض رمت بي نحو أخرى الركائب
ولم يثنني خوف ولا جفوة ولا
أردّ عناني أن بكين الكواعب
وكيف وقد بيَّعت نفسي لذي العلا
فهان عليه في رضاه المصائب
فأي بلاد لم أزرها ولم تزر
فوادي بها منها أمور عجائب
أقمت سنيناً في نواحي ربيعة
إِلى السر أدعو في الورى وأخاطب
فما عرفوا فضل الامامة فيهم
ولا عرفوا فضل الذي أنا طالب
إذا عزمت منهم على النصر بلدة
ثنى عزمها واشٍ عن الرشد جانب
وهيهات أن الشمس بيضا فمن حكى
بأن عليها كلفة فهو كاذب
فواللّه ما خافوا سوى العدل فيهم
وفي العدل واللّه العلا والرغائب
سلي يا بنة القوم الذين تجاهلوا
عليّ بماذا قابلتني الحواشب
أأبدوا معاذيراً كقومك أم بهم
تكثر حسّادي وقلّ المحارب
أولاك ملاذ للّهيف ومفزع
وكهف لمن حلَّت عليه النوائب
ملوك أساس الملك منهم عباهل
جبال مراجيح الحلوم شناخب
لهم قدرة مع بسطة فعلى الورى
لهم ظل عفو واسع ومواهب
بنى الملك العباس فيهم مراتباً
من المجد لا تعلو عليها المراتب
كأن على السلطان أرزاق ذي الورى
ففي داره للعرف منهم عصائب
ولكنّ من لا يدخل الناس منزلاً
بعرف وما فيه من العرف حاجب
هم الناس قد يلقى غطيط ازدحامهم
على باب من تقضى لديه المآرب
أبا الفضل أملا الوافدون دلاءهم
فأمل دلائي أنّ بحرك ضارب
أبا الفضل حاجاتي حسام وبذلها
عليك يسير وهي فهي المواكب
أبا الفضل عاين هل لي اليوم معقل
سواك لحق أو سواي يطالب
أبا الفضل إن الشرق والغرب أعنقا
إليك وإن الشرق للغرب راهب
فحتى متى لا يكرب الشرق مغرباً
وترجف أرجاف الرعود الكتائب
ألا رب أرض يابن معنٍ بأهلها
تميد إذا ما قيل إنك راكب
بدا السعد فانهض في البلاد لك البقا
فما في نواحيها لك اليوم غالب
فشمِّر ولا تسمع مقالة رذّل
لهم في لحوم العالمين مخالب
فكم متغاض عفة متقسس
يريك عفافاً وهو زان وشارب
بعقلك فانظر إن عقلك وافر
وعزمك فاسلك إن عزمك ثاقب
وأختم قولي بالصلاة على الذي
تجلّت به لما استنار الغياهب
أمير البيان العربي
د . فالح نصيف الكيلاني
العراق- ديلى - بلدروز
***********************
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق