بحث هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 29 مايو 2018

العدد الخامس لسنة 2018 خاص بالشهر الفضيل تفعيلات شعر التفعيلة الشاعر السوري عوض فلاحة


 العدد الخامس لسنة 2018 خاص بالشهر الفضيل

 تفعيلات شعر التفعيلة

الشاعر السوري عوض فلاحة




لا بدّ من الإشارة إلى نقطتين تتعلّقان بشعر التّفعيلة:
النّفطة الأولى: الأصلُ في شعر التّفعيلة أن يبني الشّاعر النّصّ على تفعيلة واحدة من البحور الصّافية (أي: البحور الّتي تتشكّل من تفعيلة واحدة)؛ أو على تفعيلتين من بحرٍ واحدٍ من البحور الممزوجة (أي: البحور الّتي تتشكّل من تففعيلتين مختلفتين)، ولكنّ بعضَ شعراء التّفعيلة ربّما خالفوا هذا الأصل، فجَمعوا بينَ تفعيلتَينِ أو أكثر من بحرينِ مختلفين في نصٍّ واحد، وربّما أكثَرَوا من الزّحافات والعِلَل.
وكلّ الزّحافات الّتي تُعَدّ قبيحةً ومُستَكرَهة ـ أو نابية ـ في الشّعر العموديّ، قد تكون مقبولةً في شعر التّفعيلة؛ بل إنّ الشّاعر ربّما انفَلَتَ من الوزن والإيقاع، فجاء بأسطرٍ نثريّة في بعض المواضع، وربّما جمع بين الشّعر والنّثر في نصٍّ واحد، مُوَزَّعينِ على أسطرٍ، أو على مقاطعَ في النّصّ.
ونجدُ نماذجَ لذلك في شعر نزار ودرويش وأمل دنقل وقاسم حدّاد وتميم البرغوثيّ، وغيرهم من شعراء التّفعيلة، ويُطلَقُ على النّصّ في هذه الحالة اسم «نصّ الجنس الثّالث».
ولعلّ اكثرهم نجاحاً في هذه التّجربة ـ كما أرى مِمّن قرأتُ لهم ـ الشّاعر أمل دنقل، والشّاعر البحرينيّ قاسم حدّاد.
النّقطة الثّانية: نهاية السّطر الشّعريّ ـ في شعر التّفعيلة ـ نُمَيّزُ فيها الحالات التّالية:
1 ـ أن ينتَهِيَ السّطر بتفعيلة تامّة؛ فتكون نهايته هي موضع الوقف الإيقاعيّ، وتكون نهاية الجملة ـ أو الكلمة ـ هي نهاية التّفعيلة الأخيرة في السّطر الشّعريّ.
2 ـ أن ينتهيَ السّطرُ الشّعريّة بحركةٍ، وتكون هذه الحركة هي نهاية التّفعيلة، وهذا لا يكون إلّا في التّفعيلات الّتي يجوز أن تنتهي بحركة؛ مثل تفعيلة المتقارب (فعولن) الّتي يجوز فيها أن تأتي مقبوضة (فعولُ)*، وتفعيلة الرّمل (فاعلاتن)، والهَزَج (مفاعيلن) اللّتين يجوز فيهما الكَفّ (فاعلاتُ / مفاعيلُ)*
3 ـ أن ينتهي السّطر بحركة زائدة على التفعيلة الأخيرة فيه، فتكون هذه الحركة تابعة للتّفعيلة الأولى في السّطر التّالي، ولا تكون نهاية السّطر السّابق هي موضع الوقف الإيقاعيّ؛ وفي هذه الحالة لا يمكن إدراك الإيقاع إلّا بوصل السّطرين المُتَتابِعينِ ـ أو مجموعة الأسطر المُتتابعة ـ عندما نقرأ النّصّ قراءة إيقاعيّة.
والوقف الإيقاعيّ عند نهاية السّطر ـ في هذه الحالة ـ ربّما جعلَ أذن القارِئ تَشعرُ بخللٍ في الإيقاع؛ فنَتَسَرّع، ونَظُنّ أنّ الشّاعر وقعَ في الكسر، على حين أنّه لا يكون ثَمّةَ كسرٌ في الوزن.
4 ـ أن يَنتَهِي السّطر بُجزءٍ زائدٍ على التّفعيلة الأخيرة فيه، وهذا الجزء سبب خفيف (/٥) غالباً، أو وتد مجموع (//٥).
وفي هذه الحالة قد يكون هذا الجزء تابعاً للتّفعيلة الأخيرة في السّطر؛ وتكون في التفعيلةِ عِلّة زيادة، وتكون نهاية السّطر هي موضع الوقف الإيقاعيّ؛ وقد يكون هذا الجزء تابعاً إيقاعيّاً للسّطر التّالي؛ فيكون هو الجزء الأوّل في التفعيلة الأولى من السّطر الثّاني، وفي هذه الحالة لا يمكن الوقف إيقاعيّاً عند نهاية السّطر السّابق.
4 ـ أن ينتهي السّطر بتفعيلة نقَصَ جزء من آخرها، وفي هذه الحالة قد تكون هذه التّفعيلة هي النّهاية الإيقاعيّة للسّطر، ووقعت فيها علّة نقص، وقد تكون مُتَمَّمة بجزءٍ أو أكثر في بداية السّطر التّالي.

تطبق على نص//_الجسر، للشّاعر محمود درويش*:
في النّقطة الأولى نجدُ أنّ محمود درويش جمع في النّصّ بين ثلاث تفعيلات هي تفعيلة الرّجز (مستفعلن)، وتفعيلة الكامل (متَفاعلن)، وتفعيلة الوافر (مفاعلَتن).
وكانت (مستفعلن) أكثر تفعيلة تكرّرت في النّصّ.
وفي شعر التّفعيلة لنا أن نعدَّها أصلاً، ونقول: إنّ الشّاعر جمع بين الرّجز والكامل، ولنا أنّ نَعُدّها منقولة عن (متَفاعلن) بالإضمار ـ أي: تسكين المتحرّك الثّاني ـ ونقول: بنى الشّاعر النّصّ فقط على تفعيلة الكامل، وأكثَرَ فيها مِنَ الإضمار.
وأمّا في الشّعر العمودي، فليس لنا إلّا القول: إنّ القصيدة جاءت على البحر الكامل؛ لأنّه لا يجوز في العمودي احتمال الجمع بين تفعيلتَين.
وأمّا تفعيلة الوافر فجاءت فقط في قوله:
(وتَحَسَّسَ المفتاحَ ثُمَّ تلا منَ القرآنِ آيهْ
قال الشّيخُ مُنتَعِشاً: وكم من منزلٍ في الأرضِ يألفُهُ الفتى
قالتْ: ولكنَّ المنازلَ يا أبي أطلالْ
فأجاب: تَبنيها يدان
ولم يُتِمَّ حديثَهُ… )
جاء السطر الأوّل على تفعيلة الكامل، وجاءت التّفعيلة الأخيرة فيه بالتّرفيل، وهي النّهاية الإيقاعيّة للسّطر: (قر ءا نئا يه = متفاعلاتن)
وجاء السطر الثّاني على تفعيلة الوافر مع الخَرم والعصب (حذف الحرف الأوّل من التّفعيلة وتسكين الخامس):
ـ قا لش شي = فاعلْتن (بحذف الميم من أوّل التفعيلة)
ـ خمن تعشن = مفاعلَتن
ـ وكم مِنْ مَنْ = مفاعلْتن
ـ زلن فل أر = مفا علْتن
ـ ضيأ لفهل = مفاعلَتن
ـ فتى قا لت = مفاعلْتن
ـ ولا كن نل = مفاعلْتن
ـ منا زليا = مفاعلَتن
ـ أبي أط لالْ = مفاعلْتانْ
ونلاحظ أنّه في السّطر الثّاني زادَ وتداً مَجموعاً (فتى //٥)، وأنّ هذا الوتد كَوّن تفعيلة الوافر مع جزأين آخرين في بداية السّطر الّذي يليه، هما السّببان الخفيفان (قا /٥ + لت /٥).
وفي قوله: (يدان) لنا أن نجعل النّون ساكنة، وهي موضع الوقف، والتّفعيلة الأخيرة من الكامل بالإضمار والتّذييل، أو من الرّجز بالتّذييل فقط (ني ها يدانْ = متْفاعلانْ/ مستفعلان)، وتكون التفعيلة الأولى في السّطر التّالي من الكامل مع الوَقص (أي: بحذف المتحرّك الثّاني):
ـ ولم يتم = مفاعلن.
ولنا أن نجعل النّون متحرّكة بالكسر؛ فتكون هذه الكسرة هي الحركة الأولى في تفعيلة جديدة باقي أجزائها في بداية السّطر التّالي:
ني ها يدا = متْفاعلن
نولم يتم = متَفاعلن
محدي ثهو = متَفاعلن.

والله ـ تعالى ـ أعلى وأعلم
عوض فلاحة
8 / 5 / 2018 م.
ــــــــــــــــــــــــ
* القبض: حذف الخامس السّاكن.
* الكَفّ : حذف السّابع السّاكن.
* مجموعته الشّعريّة (حبيبتي تنهضُ من نومِها)، ج1، دار العودة، بيروت.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق