بحث هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 29 ديسمبر 2015

العدد الأول لسنة 2016 .... قامات وهامات .... يا زارع النور .... للشاعر التونسي محمد نجيب بلحاج حسين







العدد الأول لسنة 2016



قامات وهامات



يا زارع النور



للشاعر التونسي محمد نجيب بلحاج حسين









يا قاعةَ الفصل ، يا بيتي ، وعنواني
ما أقصر العمر بين الآن والآن...

وا كبتِ درسي ، وتدريسي ، وتجربتي
في أن أفيد ببعض النصح إخواني

إنّي لأذكرُ طفلا ثائرا غَضِبا
في دربكِ الحرّ ، تستهديه أختان

"عد يا نجيب ، فأمّي عندها رُطَبٌ"
"عد فالمعلم لا يُعنى بصبيان"

لم يرجع الطّفل ، لم تُخدع فراستُه
فالقسم روض ، وعطر الرّوض ناداني

وقفت بالباب ، والأشواق تغمرني
لمّا رآني حبيب القلب حيّاني

كم كان فذّا ، يُحيط النّورُ طلعته
هذا ملاكي ، وهذا فارسي الحاني

وجه صبوح ، سبى عقلي وأوردتي
واجتاح جذري وسيقاني وأغصاني

لو ألتقيه بهذا اليوم أمنحه
انتاجَ عمري ، وأملاكي ، وتيجاني

هذا المعلم يا إخوان هيّأني
للإنطلاق إلى الدنيا بإيمان

***

ياقاعة الفصل ، كنت خير بنيان
كنّا نجيئك من كوخ و وديان

كانت ظروف من الحرمان تجعلنا
نسعى بجهد إلى قهر لحرمان

نقتات بالعلم من عقل به رشد
تحوي ثناياه أنْهارا لعرفان

كان المعلم في أريافنا بطلا
والكأس والفخر في تنوير إنسان

لو يبسَم الوجه أعلو للسّما طربا
أو يعبس الوجه أهوي نحو خذلان

ما كنت أخشاه في القسم وأرهبه
بل كنت أهواه مبهورا بإدمان

مازلت لليوم مسحورا بروعته
من قاوم الجهل كي يرقى بإذهان

لا أفضح السّرّ ، أو أفشي مجاملة
لو قلت أنّي مدين ، وهو ديّاني

يا زارع النور في قلبي وفي خلدي
هل نعمة النور تُحصى ضمن أوزان؟

ليس المعلم إلا رمز نهضتنا
جازوا المعلم إحسانا بإحسان

***

يا قاعة الفصل هل يطويك نسياني
في كل ركن من الأركان ألقاني

هنا شممت عطور الحبر منتشيا
هنا ترشقت بالطبشور خلاني

هنا حُظيت بتكريم على ألقي
هنا ضُربت لتقصيري و نسياني

هنا تجاوزت أقراني بلا تعب
هنا انهزمت وما جاوزت أقراني

هنا المسائل كانت لا تطاوعني
هنا القواعد أعيتني بعصيان

كان المعلم فانوسي إذا نضبت
أضواء زيتي ، وكان الدّاعم الباني

كنا صغارا ، ولكن بين أضلعنا
توقا لعزّ ومجد لا يرامان

إنّي لأذكر في فخر وفي عجب
كيف استفاضت بدمع الحزن عينان !

حين استعادت فرنسا بعض أربعنا
واستدرجتنا إلى قتل وإذعان

كنت ابن تسع هفا للذّود عن شرف
كم كنت أشتاق أن أجتاح ميداني!

بِنْزَرْتُ كانت تناديني لنصرتها
لكن سنيني مداها عضّ أسناني

شاركت في موكب الشجعان مختفيا
فاستبعِد الطفل عن دورٍ لشجعان

***

ياقاعة الفصل عند الموعد الثاني
لم ألق طيبا ، ولا عطرا لريحان

كل الميادين لا يخفى تطورها
وأنت والصّخرة الصّمّاء سيّان

نفس المقاعد ، بل صارت مسوّسة
يحلو لها الرقص من تحريك سيقان

لم ألق أني بنفس الوضع من سلفي
كان السعيد، وما فارقت أحزاني

ما خطط الناس في تحسين مدرستي
بل خطط الناس في التقليل من شاني

الرّاتب الضحل لا يحنو على تعبي
والجوع والفقر صارا بي يطوفان

الغوا طموحي وحالوا دون أمنيتي
كأنما المئزر المبيضّ أكفاني

ما من سبيل لأن أرتاح من كربي
غير التّكسّب من درس بأثمان

ماذا أقول عن الإصلاح يالهفي
يهوي إلى العار في إرضاء سلطان

كيف السبيل لأن ترقى مناهجنا
والفارس الحق لا يدعى لاتقان

***
ياقاعة الدرس ، تربو فيك أشجاني
هل في رحابك نلقى دفء أحضان؟

العش للطير محراب بروعته
وأنت للطفل أنقاض لقيعان

لو أنصفوا الطفل لاهتموا بسيده
واستقدموا الفصل من جنات رضوان

كل الخلائق تعطي من غرائزها
والنّاس يحصون في منّ ورجحان

إنّا اكتشفنا علوما ذات تقنية
هل من جهاز لبث أو لإعلان؟

البيت أضحى بتكييف وتدفئة
والفصل يبقى كما يبقى لأزمان

يا قاعة الفصل عذرا عن مجادلتي
أدعو لمجدك في جهري وإبطاني

إنّي المغادر ، أستبقيك في دعة
لو مسّك الخير ، أمن الله يغشاني

ما يثلج الصدر أن ألقاك باذخة
إشعاعك النور ، يغزو كل ميدان

أستودع الله صرحا يحتوي أملا
في أن نصير إلى مجد بأوطان

***

يا قاعة الفصل ، يا بحري وشطآني
بادت قلاعي ، وذا التجديف أعياني

في فترة النصح ما نفّذت خارطتي
فالنصح والوعظ ألفاظ لِتِبيان

وضع الرّقابة والتنظير أحرجني
بعض الأحبّة ، رغم الوُدّ عاداني

قبل التفقد ، ألقى الشغل منتظما
بعد التفقد ألقى شغلنا الفاني

جاء الرقيب ، ترى في القسم ملحمة
غاب الرقيب ، سباني خبث شيطاني

ان الرقيب ضمير بين اضلعنا
رب يراني ، ولا تخفاه الواني

نهج الكفايات لم يصنع مقاربة
تهدي إلى البذل في صدق وإمعان

قلبُ المعلم ، من يحتاج تنقية
لو أخلص القلبُ ، يُروى كل ظمآن

لن ينفع النصح والإرشاد من جُبِلوا
على التذمّر من ضعف ونقصان

شغل المعلم أتعاب مكدسة
لا ربح فيها سوى منّ لرحمان

الفصل ياسيدي محراب أدعية
والدرس ياسيدي تمجيد منّان



يا قاعة الفصل ، يسقي الكون تحناني
شوقي وودي كنهرين يفيضان...

اطوار عمري مضت كالبرق مسرعة
في كل عام ارى افواج فرسان

واليوم اغدو الى شيخوختي باسى
يزداد عمقا ، وتعلو منه اشجاني

اهل السياسة لم يعنوا بك ابدا
بل منك صاغوا شعارات لطغيان

ما للطرائق من سحر يعاضدها
تنظير قول ، بلا فعل وبرهان

بعض المدارس تشكو همَّ عزلتها
لم يفلح النور في تمزيق كثبان

لو انصفوها لصارت خير منتزه
يحوي جنانا ، ويحوي خير عمران

ما من مكان بارقى من قداستها
حتى المساجد ، حتى دور رهبان

متى سنعطي حقوق الطفل كاملة
من غير مَنٍّ ولا نهب لقرصان ؟

متى سنختار للتعليم افئدة
فيها من الحبِّ ...
طوفانٌ...
لِطُوفَانِ ؟











هناك تعليق واحد:

  1. شكرا اخي علاء
    زادك الله ألقا وانتشارا
    اخوك محمد نجيب بلحاج حسين

    ردحذف