بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأحد، 13 أغسطس 2017

العدد الثامن لسنة 2017 ... في مِثلِ هذا اليومِ ... للشاعر العراقي خلف دلف الحديثي



 العدد الثامن لسنة 2017
 
في مِثلِ هذا اليومِ

للشاعر العراقي خلف دلف الحديثي



عجَّلتَ دوْرَتَها فكنْتَ مدارَها
وكشَفْتَ ظلمَتَها وجئْتَ نهارَها

أطلقْتَ كفَّ الموْتِ يصْفَعُ خدّهُمْ
فمَضَتْ تجرُّ حُشودُهم أدْبارَها

وسبقْتَ مَنْ أرْسى الحضارةَ وازْدهى
وإليكَ فتّحتِ السّما أنْوارَها

وإليكَ قدْ أجْرى الفراتُ معينَهَ
وصَفاءُ دجلةَ فيكَ توّجَ غارَها

فكأنّ بابلَ حشَّدَتْ آشورَها
وإليكَ أسْلمتِ العصورُ نِجَارَها

منْ آخرِِ الدُّنيا أتيْتَ بِشارةً
وبكَ التّحدّي منهُ صُغْتَ دِثارَها

ما أنْتَ إلا أنْتَ تطلعُ شمْسَهَ
وإليكَ تفرش للنّماءِ إزارَها

وتغيبُ فيك وتعْتلي أبْراجَها
وتغيثُ في أنْوائِها أشْجارَها

هي صيْحةٌ كانتْ فمِلْتَ مُروءةً
فرَكبْتََ أصْعَبَها ودِسْتَ جِمارَها

هي ما تزالُ كما بدَتْ ميلادَها
جاءَتْ تزُفُّ لأهْلِها عِشْتارَها

وأتَتْكَ مِنْ أكدٍ مَجَرّةُ أُورِها
وَتسلّقَتْ ورْكاؤنا أنبارَها

في عُمْقِ عُمْقِ الكوْنِ جذْعُكَ قدْ رَسى
إذْ منْكَ كَوَّرَتِ الرّحى أقطارَها

فلأنتَ بعدَكَ لنْ تقومَ عظيمةٌ
ولأنتَ بعْدكَ مَنْ يُثيرُ قَتارَها

ولأنتَ في كلِّ العصورِ أميرَها
ولها أجَبْتَ بِعِزْمةٍ أقدارَها

فالأرْضُ كوّرَتِ الرَّواجمُ قُطبَها
وعلوْتَ شأناً واتَّخَذْتَ شِعارَها

وَجمَعْتَ في كفيْكَ بدْءَ خِتامِها
وجرَيْتَ أشواطاً تعدُّ قرارَها

وركبْتَ أخشنَ مرْكبٍ متحزِّماً
للموت تعطي للملا إنذارها

كانوا ظلاماً يستعينُ بظلمَةٍ
فكشَفْتْ ظلمَتَها وكنْتَ فنارَها

وسَعيْتَ رغْمَ الجدْبِ في جَنباتِها
تسْقي بأنهارِ الدِّماءِ بِذارَها

جدَّدْتَ قانونَ الحياةِ وصغْتَهُ
وإليْكَ أسْلمَتِ الرّجالُ مَسارَها

في صفوةٍ حشَّدْتَ كلَّ عزيزةٍ
وجبَهْتَ مُعْتصماً بهم تيّارَها

سعْياً أتوْكَ غمائماً بإرادةٍ
لتُريقَ في نارِ العِدا أمطارَها

قدَّمْتَ خيْرَتَهُم وأنتَ عزيزهم
حتّى تؤمِّنَ للكريمةِ جارَها

وتكونُ دِرْءاً يُحْتمى بجِنابِهِ
مََنْ راوَدُوهُ وكي تظلَّ ستارَها

فلأيِّ مَهْلكةٍ غدَوا في ويلِها
ولأيِّ موْتٍ سلّمتْ أعْمارَها

ولأيِّ كأداءٍ صريخُ نزيفِهم
ما زالَ يلْعنُ جرْحُه فجّارَها

فانْظرْ عراقَ الزّاهدينَ صمُودَنا
ومصيرهم فيهم أقمت شنارها

كنْتَ الكبيرَ وما تزالُ كما ترى
شيْخَ الشّيوخِ إذا طلبْتَ عِسارَها

فجَعَلتَ خيرَ عِمامةٍ لِمداسِنا
وِطْئاً لتدفعَ لو أتوك شِرارَها

يا واهبَ الدّنيا سَبَكْتَ بشوطِها
نوراً لآفاقِ العَواصِمِ سارَها

أنْتَ المُؤجِّل موْتَهم وأخالَهم
قد يدفعونَ كما تشا أوْزارَها

كانتْ سنيناً كنْتَ زهْوَ حَصادِها
وإليْكَ فتّحَتِ الكرامةُ دارَها

في مِثلِ هذا اليومِ مِنْ دَهْرٍ مَضى
ذاقَ العدوُّ مِنَ الكُماةِ مَرارَها

في مِثلِ هذا اليومِ أعْلنتِ الرُّبى
عرْسِ السَّماءِ وَصافَحَتْ مَنْ زارَها

في مِثلِ هذا اليوْمِ قد رَقصوا لها
أهْلَ العراقِ وأعلنوا أسْرارَها

في مثلِ هذا اليومِ كلّ عظيمةٍ
ولدَتْ وألبَسَنا الزّمانُ سوارَها

فلقدْ تجرّعَ كأسَ سُمٍّ ناقعٍ
وَمضى يجرْجر للنهايةِ عارَها

فلقد أجادَ ومَنْ أجادَ كمثلِهِ
للمسرحيّةِ وَحْدَه أدْوارَها

قلْ للذّليلِ المستعزِّ بظُغْنِهِ
هي هكذا الدّنيا ترى أطوارَها

فعليْكَ قدْ قلبَ المِجَنُّ بظهْرِهِ
وعليْكَ أطبَقتِ الدُّنا أسْوارَها

عُدْنا فنحنُ الكاظمينَ شكيمةً
عَهْداً سنسْحَقُ في التّلاحُمِ فارَها

هي ذي الدّماءُ وما تزالُ على الرّبى
تحْكي لروّادِ السّما آثارَها

بغدادُ داسَتكِ الخطوبُ مريعة
مَنْ ذا يُقيلُ من الخطوبِ عِثارَها

هي لمْ تزلْ فينا تُشَعْشِعُ رَهْبةً
وبَهاؤُها غَطّى الدُّنى وأنارَها

فاصْبرْ عراقَ الصّابرينَ إلى غدٍ
فسَيَجْلُوَنَّ اللهُ عنْكَ غُبارَها
***

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق