من المنتقيات
بكاءُ الأمطارِ
للشاعر العراقي خلف دلف الحديثي
وجهي بكاءٌ وأمطاري نواعيرُ
وصرخةٌ من دمٍ يجري وتعكيرُ
وأغنياتٌ بلا معنى تُشاكِسُنا
وولولاتٌ بها تشدو المزاميرُ
حضارةٌ من جنونٍ لسْتَ تفهمُها
ولسْتَ تفهمُ ما تعني الأساطيرُ
وضحكةٌ في فمِ النوّارِ ما ارْتشفَتْ
إلا الدموعَ وفيها الوعدُ مَكسورُ
فالحزنُ يبقى بقانوني بلا أدبٍ
وليسَ يُدركُ ما تَعْني النوافيرُ
والعمرُ دورةُ دُولابٍ مُحطّمةٌ
على بُكاها سيُلغي وعدَهُ الصّورُ
حكايةٌ ما تزالُ النارُ تحْرقُها
وما تزالُ بها تروي المشاهيرُ
ورغبةُ الموْتِ في جُرْحي مكابرةٌ
له ستبقى تُغنّينا الأداهيرُ
هذي البلادُ التي نامَتْ على وَجعٍ
قد غابَ عنها بكفّ الطفلِ إكسيرُ
واللافتاتُ فقاعاتٌ مشوّهةٌ
فيها الدّعاياتُ باءَتْ وهي تدميرُ
ها نحْنُ عدْنا ولكنْ لسْتَ تفهمُنا
لأيّهمْ نحنُ فالتاريخُ تزويرُ
وزعزعَتْنا منَ الطاغوتِ ضرْبتُهُ
وما أفقْنا فغاضَتْ تحْتَنا الدّورُ
هي الحياةُ ركبناها وما فَتِئَتْ
على أذاها بنا تعْلو الزرازيرُ
تمَشيخَ اللصُّ واهتزّت عباءتُه
وسُيِّدَتْ في دمِ الشّعْبِ المَخاتيرُ
كانَتْ تحاولُنا منْ أنْ نموتَ معاً
وأنْ تموتَ على الجرْفِ الازاهيرُ
مذْ أغْرقتْنا مع المأساةِ أغربةٌ
وخالفَتْ شرْعةَ الموْتى التّدابيرُ
جئنا تحاورُنا عن ضحكةٍ شردَتْ
من الشفاهِ فعافَتْنا المَشاويرُ
تلك البلادُ التي قد حاورَتْ وجعي
وأرجحَتْها بمأساتي المقاديرُ
بها تلوّنْتُ حتى صرْتُ مشكلةً
ولملمَتْني معَ الموْتى النّواطيرُ
وما أتيْتُ بذنبٍ عن مُغامرةٍ
سوى عرفْتُ بما ضمّت مقاصيرُ
فأوّلوني بأني لسْتُ أشبهَهُمْ
وأنّهم وحدَهمْ للشّعْبِ دستورُ
وأنّهم كلّهُمْ ذيْلٌ لمفْسدةٍ
وللسّلاطينِ جلادٌ وكافورُ
ولسْتُ أدري وما أدريهِ ضعْتُ بهِ
على مَ ترنو إلى الصّقْرِ العَصافيرُ
نامَتْ نواطيرُ جرحي عن مَعَازِفِها
فما عزَفْتُ ولا صاحَتْ جَماهيرُ
جوْعى تبيتُ بلا مأوى وتجمعُهم
بيضُ الخيامِ وما ابيضّتْ تنانيرُ
نحنُ السرقْنا من المرضى أسرّتَهم
بنا ابتُلينا وما أجدَتْ عقاقيرُ
عنها ابتعدْتُ وفيها كنْتُ أغنيةً
على هَواها تُجاريها التّدابيرُ
لمْ يحْفظِ الأمسُ آياتي التي كُتبَتْ
ولا تَلتْها إلى الرّيحِ الطّواميرُ
ولا صَداها على أغصانِ غربَتِها
قد رشرشَتْهُ مع الليلِ الأساريرُ
والفجرُ ما عادَ فجراً فيّ يرْسُمُهُ
وما تدلّتْ مع الصبحِ التّباشيرُ
ولم تنمْ في أقاصي البحرِ نوْرسةٌ
ولا أتَتْها على أمواجِهِ الحُورُ
فالليلُ دفترُ أوجاعٍ لمن كتبوا
سحْرَ الخيالِ وفيهِ البوحُ مبتورُ
يا شاطئَ الصمت قُلْني كيف أتبعُني
وساقُ روحيَ أودى فيه تَفجيرُ
أعمارُنا اشتغلَتْ فيها مناجِلُنا
ومنْ شفاهي دنَتْ سكرى الفواتيرُ
الوعْدُ آتٍ ورمْحُ الوقْتِ يَطْعَنُني
ومخْرزُ الموت فيهِ اعْتلّ سكِّيرُ
منّا تبرّأتِ الدنيا وما ضحكَتْ
ولا تعالَتْ بخبْزِ الجُوعِ تنّورُ
عدْنا إليْنا وبعضُ الوَقْتِ يُشْغِلُنا
عنْ كلِّ شغْلٍ وتدْعونا المَواخيرُ
هذي البلادُ ومأساتي بلا أسَفٍ
منَ المآسي بها يختلُّ تفكيرُ
نفسُ الوجوهِ لنا عادَتْ لتسْرِقَنا
وكي تعيدَ إلى التكويرِ تَكويرُ
هُمْ هُمْ وهُمْ أردى مَنِ انتصبوا
على البلاطِ فأغرتْهمْ تَصاويرُ
يا غربةَ القحْطِ رُدّي لي بنفسجَتي
حتى تعودَ منَ المنفى المَهاجيرُ
***
9/4/2018 حديثة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق