العدد السابع لسنة 2018
من أخطاء القياس
الشاعر السوري عوض فلاحة
من الأخطاءِ الشّائعة جمع كلمة (مُدير) على (مُدَراء).
وقد فشا هذا الخطأ فُشُوّاً كبيراً، وجَرَتْ به الألسنُ والأقلامُ، حتّى لا نكادُ نسمعُ الجمع الصّحيح.
وهو خطأٌ ناتجٌ عن وَهمِ القياس، وأرى أنّ الّذي وقَع في مثل هذا الخطأ أجرى عليه نوعين من القياس هما: «قياس الطَّرد»، و«قياس الشّبَه»؛ فجمعَه على (فُعَلاء)؛ لأنّه رأى أنّ وزن (فُعَلاء) جَمْعٌ يَطَّرِدُ في أسماء على وزن (فَعيل)، ثُمّ وجد أنّ ثَمّةَ شَبَهاً بين كلمة (مُدِير) وكلمات مثل (كريم، عظيم، نبيل) مثلاً؛ فقال: (مُدَراء) كما يقول: (كُرَماء، عُظَماء، نُبَلاء).
وليس بين (مُدير) و(فَعيل) من شَبَهٍ سوى أنّ كلّاً منهما اسمٌ رباعيّ، قبلَ آخرِهِ ياءُ مدٍّ.
وهذا الشَّبَه لا يكفي؛ لأنّ الفوارق أكثر.
ومن هذهِ الفوارق:
1 ـ الياء في (مُدير) أصليّة، وفي (فعيل) زائدة.
2 ـ سكون الياء في (مُدير) سكونٌ بالنّقل، وسكونها في (فعيل) سكونٌ أصليّ.
3 ـ (مُدير) اسم فاعل من الفعل الرّباعيّ (أدارَ) على وزن (أفعَلَ)، وأصلُهُ: (مُدْيِرٌ) على وزن (مُفْعِل) بإبدال حرف المُضارعة ميماً مضمومة، وكسر ما قبل الآخر؛ وأمّا (فعيل) فهو صفة مشبّهة مثل (كريم)، أو اسم فاعل بمعنى (مُفاعِل)، وفعله: (فاعَلَ).
ولأجل هذه الفوارق لا يَصِحّ القياس.
والصّواب أن نجمع كلمة (مُدير) جَمْعَ مُذَكَّرٍ سالماً؛ فنقول: (مُديرونَ) في موضِعِ الرّفع، و(مُديرينَ) في مَوضِعَيِ النَّصبِ والجَرّ.
وأمّا (فُعلاء) فأكثر ما يكون في جمع (فَعيل) إذا كان:
ـ صفةً مشَبّهة؛ مثل: (كريم/ كُرَماء)، و(عظيم/ عُظَماء).
ـ اسمَ فاعل بمعنى (مُفاعِل)؛ مثل: (جليس/ جُلَساء)، و(خَليط/ خُلَطاء).
ـ بمعنى (فاعل) من الفعل الثلاثيّ؛ مثل: (رحيم/ رُحَماء)، و(شفيع/ شُفَعاء).
ومن قواعد علم الأصول: «لا يجوز القياس مع الفارق». #هامش : آية_وحكمتان :
قال تعالى: ﴿وإنَّ كثيراً مِنَ الخُلَطاءِ لَيَبْغي بعضُهُم على بعضٍ إلّا الّذينَ آمَنوا وعملوا الصّالحات وقليلٌ ما هم﴾[ص : 24].
الحكمة الأولى ظاهرة؛ لا تُكثر من الخُلَطاء؛ لئلّا يَكثُرَ البُغاةُ عليك.
(خُلطاء) مفردها: (خَليط)، وهي في الآية اسم فاعل، لا صفة مشبّهة.
وفي سياق آخر قد تكون (خليط) اسمَ مفعول.
والحكمة: دَعِ الظَّاهر وخُذِ المَعنى، ودَعْكَ مِنَ الوَزن!، وانظُر في ماهِيّةِ المَوزون!؛ فليس كيسٌ من القَشِّ مُنْتَبِجٌ بأثمَنَ من قطعةٍ من الذَّهب.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق