بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأحد، 16 يونيو 2019

مجلة صدى بغداد العدد الخامس لسنة 2019 فنانون منسيون من بلادي /الجزء الأول الحلقة الحادية عشرة / زرياب الموصلي تقديم / علاء الأديب


مجلة صدى بغداد

العدد الخامس لسنة 2019

فنانون منسيون من بلادي /الجزء الأول
 
الحلقة الحادية عشرة  / زرياب الموصلي

 تقديم / علاء الأديب







التقديم/
..........
قد لايكون لي الحق بأن أدرج زرياب الموصلي ضمن قائمة البحث عن الفنانين المنسيين في بلادي لأنّه ليس من الذين يمكن أن ينساهم الناس لتأريخهم المجيد إلا إنّ تساؤلا من أحد الشباب هنا في تونس عن أصل زرياب فيما إذا كان عراقيا أم لا قد أثار فيّ الرغبة في أن أتناول ماكتب عن سيرة هذا الرجل العظيم الذي نقل إلى أوربا أجمل مافي بغداد أيام العباسيين حتى تجاوز في ذلك حدود الموسيقى إلى حيث العادات والتقاليد الإجتماعية في الملبس والطعام إلى غير ذلك من أمور أخرى.
ومن الملفت للنظر بأن هذا الرجل أول من صنع الزلابية في الأندلس وقد سميت على إسمه بهذا الإسم.
لقد أحب التونسيون زرياب لأنه هاجر الى القيروان ومكث فيها إلا إن مكوثه لم يطل فيها بسبب تحريم حكامها الغناء والموسيقى آنذاك .
هذا أهم ماكتب عن زرياب وعن حياته وإسهاماته ونسأل الله الخلود لذكراه.
علاء الأديب



زرياب :
............
هو أبو الحسن علي بن نافع، كان أحد موالي الخليفة العباسي المهدي، ولُقِبَ بـ “الزرياب” حتى تغلّب لقبه هذا على اسمه واشتهر به، أما سبب اللقب فإن بعض المصادر التاريخية تعزو السبب إلى سواد لونه وفصاحة لسانه وعذوبة صوته مما دفع البعض بمناداته بـ الزرياب تشبيهاً له بطائر الزرياب الأسود اللون والعذب الصوت، في حين إن بعض المصادر الأخرى تذكر إن معنى الزرياب في اللغة الفارسية تعني الذهب الأصفر وذلك لصوته وأصالته الذهبية.



نسبه وأصله :
....................

أما بالنسبة لأصله ونسبه فهو أمرٌ يحوي على العديد من الالتباسات والآراء المتباينة المتناقضة، ولكن ووفقاً لبعض المصادر والمراجع العلمية للباحثين والمستشرقين الأجانب فيُعتَقد إنه ذو أصول كردية، وهذا ما تخبرنا به المستشرقة الألمانية الدكتورة زيغريد هونكه في كتابها المعروف (شمس العرب تسطع على الغرب) في الصفحة رقم 488 عندما تقول: {كان الفتى الكردي زرياب ألمع تلاميذ مدرسته}.


تاريخ ميلاده ووفاته :
.............................

أما بالنسبة لتاريخ ميلاده وتاريخ وفاته فهما كذلك لا يخلوان من الالتباس والشك، ولكن أكثر التواريخ المتفقة عليها من قِبل أكبر عدد من العلماء والمؤرخين والمستشرقين هو إنه قد ولد سنة 777 م وعاش حتى عام 852 م ليتوفى دون أي ذكرٍ لمكان ولادته ووفاته.


تتلمذ على يدي إسحاق الموصلي :
........................................
تتلمذ هذا الفتى الموهوب البارع على يد إسحاق الموصلي (الذي كان من أشهر المغنيين والموسيقيين خلال العصر العباسي والذي بلغ أعظم المنازل وأعلى الرتب عند ستة من خلفائهم) وكَبُر في كنفه، والذي بدوره لم يبخل على زرياب بشيء يعرفه وبحكمة يملكها، فعلّمه ودرّبه وزوّده بالقيم والسلوكيات الحسنة ليجعل منه فناناً بارعاً قلّ أمثاله .



زرياب يغني في حضرة الرشيد :
....................................
في ذات يوم طلب الخليفة هارون الرشيد من إسحق الموصلي أن يأتي معه بمغني جديد يجيد الغناء، فأحضر إسحق زرياب فاستأذن من الخليفة بأن يغني فأذن له:
يا أيها الملك الميمون طائره هارون راح إليك الناس وابتكروا
إلى أن أكمل نوبته، فطار الرشيد فرحا وتعجب منه كثيرا وطلب من أستاذه إسحاق أن يعتز به.



علاقة المعلم بالتلميذ :
.............................
ولكن لم تستمر العلاقة بين المعلم وتلميذه بهذا الشكل الحَسَن، فذات مرةٍ عندما طلب الخليفة العباسي هارون الرشيد من إسحاق الموصلي بأن يحضر له مغنٍّ جديد موهوب، لم يسبق له وأن استمع إليه فما كان من إسحاق إلا أن يخبره عن فتاه الذي تعِبَ عليه وخلق منه أحسن الفنانين زرياب. فطلب الخليفة من إسحاق إحضاره، فقَدُمَ زرياب مع معلمه إلى بلاط الخليفة وجلس في مجلسه وقام بعد أن أذن له الخليفة بالعزف على عوده الخاص الذي كان قد صنعه بنفسه وبدأ بإلقاء قصيدة ألّفها في مدح الخليفة، عندها سُرّ الخليفة كثيراً بعد أن أطرب زرياب مسمعه بصوته العذب وعزفه الراقي وأُعجب به، وأكرمه بالمال، الأمر الذي أثار الحسد والخوف لدى معلمه إسحق، الحسد من إعجاب الخليفة له ولمدحه، والخوف على مكانته ومقامه، مما دفعه بعد أن خرجا من عند الخليفة أن يطلب من زرياب بأن يقوم على الفور بمغادرة بغداد دون رجعة وإلا سيقوم بقتله والقضاء عليه نهائياً.



هجرة زرياب الى المغرب :
.................................
أدرك زرياب خطورة الأمر، وعرف إنه لن يتمكن من أن يحقق حلمه ويعرض فنه في هذه البلاد بعد كلام معلمه، فما كان عليه إلا أن يقبل بالأمر ويرحل عن بغداد مع عائلته تاركاً أقربائه وأصدقائه خلفه ليتوجه إلى المغرب العربي ومنها إلى الأندلس عاصمة الدولة الأموية آنذاك، حاملاً في جعبته العديد من العلوم والفنون الموسيقية، والكثير من العادات والقيم والتقاليد في مختلف المجالات العلمية والأدبية والاجتماعية لينقلها من المشرق إلى المغرب .



بداية رحلته نحو الشهرة والإبداع
........................................
بعد أن غادر زرياب بغداد مجبراً حلّ ضيفاً في المغرب العربي ولكنه لم يتمكن من البقاء هناك طويلاً فلم يجد أمامه سوى أندلس، عاصمة الدولة الأموية، عاصمة الحضارة والعلم والرقي، عاصمة العلماء والعباقرة والمبدعين فراسل الخليفة الأموي الحكم بن هشام في قرطبة، ليأتيه الرد سريعاً دون تأخير برغبة الخليفة في حضوره وتواجد مثل هكذا بلبل في بلاطه .
ولكن وما إن وطأ زرياب أرض الأندلس حتى وافاه الخبر بوفاة الخليفة وتولي ابنه عبد الرحمن الثاني الخلافة، مما أولد حزناً لدى زرياب الذي وجد إن الأبواب تنغلق في وجهه واحداً تلو الآخر إلا أنه تفاجأ في النهاية بإرسال الخليفة الجديد في طلبه وإبداء رغبته في حضوره للبلاط الأموي .



زرياب بين يدي الخليفة عبد الرحمن الثاني:
....................................................
قَدُم زرياب القصر مع عائلته ليستقبلهم الخليفة أحسن استقبال، استقبال يليق برجل موهوب وعبقري في مجالات عديدة، وراح يستمع إلى صوته العذب وألحانه المتقنة وأخباره عن الدول والبلدان والأمراء وأفكاره في مختلف العلوم والمجالات ليُعجَبَ به أيُّما إعجاب مما دفعه لأن يخصص له راتباً شهرياً يُقَدَرْ بمئتي دينار، ولكل فردٍ من عائلته عشرين ديناراً، بالإضافة إلى عقارات وبساتين تُقَدر بـ أربعين ألف دينار، إلى جانب القيمة والمكانة التي يستحقها، وهذا ما لم يكن يتوافر لكبار العلماء من قبله، وكل هذا فتح المجال لزرياب لأن يبدأ رحلته نحو الإبداع والعظمة، ليبدأ في تكوين أسمه وحفره على صفحات التاريخ، ليبدأ في تقديم ما لديه من أفكار للإنسانية.



زرياب ينقل أجمل مافي بغداد الى الأندلس :
...................................................
قام الموسيقار والمطرب زرياب بنقل الكثير من الاشياء إلى الأندلس غير الغناء والموسيقى.. فهو الذي نقل أجمل ما في بغداد إلى قرطبة ومنها إلى الأندلس. وهو وحده الذي نقل أحسن الأقمشة وأزهى الألوان من بيوت الخلفاء إلى بيوت النبلاء. ولم يكن أثر زرياب مقصوراً على تطوير الموسيقى والغناء بالأندلس، وتجديده فيهما، وسحر أهلها بحسن صوته وجمال أدائه وإعجاز فنه، وتبحره فيه، حتى قيل أن ما حفظه منه تجاوز الألوف من الألحان والأغاني. بل لقد فتن الناس فوق هذا كله بآدابه وسعة ثقافته وتنوع معرفته. وكان عالماً بالنجوم. وتقويم البلدان وطبائعها ومناخها، وتشعب بحارها، وتصنيف شعوبها.



زرياب في كتب تأريخ الأندلس:
...................................
وكتب تاريخ الأندلس تعطي من صفحاتها مساحات كبيرة للرجل الأسطورة زرياب وتنسب إليه أنه ارتقى بالذوق العام في الأندلس.. دون الرجال والنساء.. ووصفوه بأنه الرجل الأنيق في كلامه وطعامه. وكيف كان يلفت الأنظار إلى طريقته في الكلام والجلوس إلى المائدة أيضا. وكيف يأكل على مهل ويمضغ ويتحدث ويشرب بأناقة. وكان يكره مثل هذه الكلمات: يحب الشراب، ويلتهم الطعام، ويحشر اللحم والأرز في جانب من الفم، وكان يضع على مائدته الكثير من المناديل، هذه لليدين وهذا للشفتين وهذا للجبهة وهذا للعنق، وهو أول من لفت أنظار النساء إلى أن مناديل المرأة يجب أن تكون مختلفة اللون والحجم وأن تكون معطرة أيضا .



مواهب وقدرات زرياب :
..............................
لم يكن زرياب مجرد عبقري في المجال الموسيقي، ومجرد ملِّحنٍ ومغنٍّ بارعٍ فقط، فلقد كان شاعراً مُجيداً، وعالماً ملماً بمختلف ألوان العلوم والمعرفة والآداب حيث إنه كان فلكياً عارفاً بالنجوم ومطّلعاً على جغرافية الأرض والبلدان، ومتعمقاً في التاريخ وفي أخبار الملوك والأمراء، فكان موسوعة متنقلة، وهذا ساعده لأن يقدّم العديد من الإسهامات ويقوم بالكثير من التجديدات في مختلف المجالات والفروع.



زرياب في تطوير وتجديد المجال الفني:
............................................ ...
قدّم زرياب إسهامات عديدة وتجديدات عبقرية في المجال الفني مشكلاً بذلك أساس الفن الراقي والمبدع الذي أتى من بعده، والذي استمر فضله ودوره حتى يومنا هذا، ومنها فقد أدخل تحسينات عديدة على آلة العود، فجعلها أخَف وزناً، وأستخدم في صناعة أوتاره مواداً جديدة كالحرير ومصران شبل الأسد، وكذلك قام بإضافة الوتر الخامس إلى العود والذي رأى فيه زرياب ضرورةً استكمالاً لمجموعة النغمات والأصوات التي كانت تخرج من العود ولزيادة الحرية في أداء القطع الصوتية والألحان المختلفة، وجعله متوسطاً بين الأوتار الأربعة السابقة، بالإضافة إلى إنه قام بتغيير المضراب الخشبي الخشن والذي يؤذي الأوتار ويتسبب في اتلافها فيما بعد واستبدلها بمضرابٍ من قوادم (ريش) النسر الأكثر ليونة ونقاوةً وخفةً على الأصابع والذي يحافظ على سلامة الوتر لمدة أطول بكثير.



زرياب نقل معرقته بالآلات الموسيقية إلى الأندلس
.............................................................
وقد نقل الزرياب كل ما سبق له معرفته من آلات موسيقية في بلاد المشرق إلى الأندلس، وأخذ يتفنن عليها ويبتكر فيها ليجتمع بذلك في الأندلس ثروة كبيرةً جداً من الآلات الموسيقية لم تجتمع في أي بلد قبله، ليصبح بذلك زرياب حلقة الوصل التي نقلت الفنون الموسيقية وآلاتها من الشرق إلى الغرب .



زرياب يؤسس مدرسة الغناء والموسيقى في الأندلس :
................................................................
وبعد أن لاقى زرياب قبولاً وموضعاً في قلوب الناس وصارت له مكانته المرموقة وقيمته الاجتماعية العالية ودوره الفعّال في المجتمع الأندلسي قام بتأسيس مدرسةٍ للغناء والموسيقى، والتي تعدّ أول مدرسةٍ أُسست لتعليم علوم الموسيقا وفنون الغناء وقواعد اللحن والإيقاع والتي أصبحت في مدة قصيرة قبلة لعشاق الفن والموسيقى ليس من العالم الإسلامي فقط وإنما من مختلف بقاع عالم الأخرى كذلك، واتبع زرياب في مدرسته فلسفة تعليمية خاصة به تقوم على أسس علمية في الصوتيات والموسيقي، والتي كانت تبدأ بإجراء اختبار لأصوات المقبلين على المدرسة قبل البدء بتعليمهم، فبذلك يعد أول من وضع أسس وقواعد لفحص المبتدئين الراغبين في التعلم، والتي يتم اتباعها حتى يومنا هذا في مختلف المعاهد والمراكز الفنية.



زرياب أول من وضع قواعد علم الصول :
.....................................................

يعتبر زرياب أول من وضع قواعد علم الصول فيج وتربية الصوت والسمع والقراءة الموسيقية، وأول من افتتح الغناء بالنشيد قبل البدء بالنقر والعزف، وكما أنه كان يتمتع بقدرة هائلة على حفظ الألحان والأغاني، فيُقال إنه كان حافظاً لعشرة آلاف مقطوعة بغنائها وألحانها .


زرياب يدخل وجبات الطعام الثلاثية إلى أوربا:
.....................................................
أدخل زرياب إلى أوروبا وجبات الطعام الثلاثية الأطباق: تبدأ بالحساء (الشوربة)، ثم يتبعها الطبق الرئيسي، أما من اللحم، أو السمك، أو الطيور، ثم تختتم بالفواكه والمكسرات، وأسس أول معهد للموسيقى في العالم في مدينة قرطبة. وكان له ذوقه الخاص في تنسيق الموائد وتنظيمها واتخاذ الأكواب من الزجاج الرقيق بدلا من المعادن، واصطناع الأصص للأزهار من الذهب والفضة. وقد استحسن الناس ذوقه حتى في الأطعمة، فدلهم على صنوف محببة منها لم تكن الأندلس تدري شيئا عنها كالنوع المسمى على حد تعبيرهم (النقايا) وهو مصطنع بماء الكزبرى محلى بالسنبوسق (نوع من المعجنات المحشوة باللوز والفستق والسكر (يشبه القطائف). وهو أول من أدخل إلى المطعم الإسباني طعام (الهليون) وهي بقلة لم يكن أهل الأندلس يعرفونها قبله، وقد سموها بلسانهم (الاسفراج). ومن تلك الأطعمة ما صار إلى آخر أيام أهل الأندلس منسوباً إليه، معروفاً به.
 


الزلابيّة تنسب الى زرياب إلى يومنا هذا
......................................................
إلى الآن ينسب نوع من الحلوى إليه في الشرق يسمونه (زلابيه) وهو تحريف عن (زريابيه). وقد اشتهر عنه إقامة الولائم الفخمة وتنسيقها وترتيبها وكان ذلك كله النواة الأولى في فخامة قصور ملوك الأندلس وبيوت الأغنياء وأناقتهم. وفي الزي والتصميم تخير زرياب البساطة والتناسق والرشاقة، وادخل الشطرنج إلى الأندلس ومنها إلى أوروبا، و(الشاه مات) بالعربية ما زالت مستخدمة في أوروبا والعالم إلى اليوم. (Shahmat)



زرياب كان سببا في اختراع الموشح :
.................................................

يعتبر زرياب هو السبب في اختراع الموشح لأنه عمم طريقة الغناء على أصول النوبة، وكانت هذه الطريقة هي السبب في اختراع الموشح. وقد أدخل زرياب على فن الغناء والموسيقى في الأندلس تحسينات كثيرة، وأهم هذه التحسينات:
× جعل أوتار العود خمسة مع العلم أنها كانت أربعة أوتار
× أدخل على الموسيقى مقامات كثيرة لم تكن معروفة قبله
× جعل مضراب العود من ريش النسر بدلا من الخشب
: × افتتاح الغناء بالنشيد قبل البدء بالنقر، كما أنه أول من وضع قواعد لتعليم الغناء للمبتدئين وأهمها هي
÷ يتعلم المبتدئ ميزان الشعر ويقرأ الأشعار على نقر الدف ليتعلم الميزان الغنائي
÷ يعطى اللحن للمبتدئ ساذجا خاليا من كل زخرفة
÷ يتعلم المبتدئ الزخرفة والتغني في الألحان مع الضروب بعد تعلمه الميزان والضرب واللحن. وقد وضع أسسا وقواعد لفحص المبتدئين قبل قبولهم.
÷ وهي أن يجلس المبتدئ في مكان عال ثم يوعز إليه بأن يصبح بجواب صوته ثم ينزل تدريجيا إلى قراره، وبهذه الطريقة كان يعرف مدى صوته وحلاوته.

وقد نقل زرياب من بغداد إلى الأندلس طريقتين في الغناء والموسيقى هما :
. × طريقة الغناء على أصول النوبة
. × طريقة تطبيق الإيقاع الغنائي مع الإيقاع الشعري



زرياب يزيد العود وترا :
................................
زاد زرياب بالأندلس في أوتار عوده وتراً خامساً اختراعاً منه،مع صديقه بن نعيمة حيث إذ لم يزل العودُ بأربعة أوتار على الصنعة القديمة، فزاد عليها وتراً آخر متوسطاً، فاكتسب به عوده ألطَفَ معنى وأكمل فائدة. وهو الذي اخترع بالأندلس مضراب العود من قوادم النسر، بدلاً من مرهف الخشب. وأبدع زرياب في تنسيق الألحان، حتى توهّم أن الجن هي التي تعلّمه؛ ولا عجب فقد ورث هذا الشعور من أستاذه إسحاق الموصلي الذي ورثه عن أبيه إبراهيم الموصلي وعن عمه أبي لمامه .



زرياب يختار تلاميذه من الموهوبين :
...........................................
اختار تلاميذه الموهوبين ولقنهم الغناء بطرق فنية، تختلف كل فئة منهم عن غيرها تبعاً لاختلاف طبيعة أصوات أفرادها. فكان إذا بدأ الإلقاء على تلميذ لتعليم الغناء أمره بالقعود على الوساد المدور المعروف بالمِسْوره (متكأ كالمنبر) وأن يشد صوته جداً إذا كان قوي الصوت. فإن كان أقل قوة، أمره أن يشد على بطنه عمامة فإن ذلك مما يقوي الصوت ولا يجد متسعاً في الجوف عند الخروج على الفم. فإن كان ألص الأضراس (المتقارب الأضراس) لا يقدر على أن يفتح فاه، أو كانت عادته زم أسنانه عند النطق، راضه بأن يدخل في فيه قطعة خشب عرضها ثلاث أصابع يبيتها في فمه ليالي حتى ينفرج فكاه. ومن هنا أخذ الغناء الأوبرالي يشق طريقه وفي هذا إشارة مباشرة لمساهمة زرياب .



زرياب يعلّم الجواري الغناء
.....................................
وإلى زرياب يرجع الفضل في تعليم الجواري الغناء في عصره والعزف على العود، ومن هؤلاء غزلان وهنيدة، ومنهن منفعة التي اشتهرت بفرط جمالها، وقد أعجب بها (عبد الرحمن)، فأهداها زرياب إليه، فحظيت عنده.



دار المدنيات في قرطبة :
...............................
ابتنى الخليفة في قرطبة داراً خاصة أسماها دار المدنيات فكانت أول معهد للموسيقى في الأندلس، عميده زرياب وقد اتخذ من أبنائه وبناته وجواريه أساتذة لمساعدته على تطور فن هؤلاء المدنيات بما يحقق نهضة جديدة تناسب حياة الأندلس. وكان المنهاج الدراسي لهذا المعهد يشمل تعليم مختلف أنواع العزف، والغناء، والتلحين، والشعر بسائر عروضه، والرقص –وكان الإقبال عليه عظيما– يقصده الطلاب من كل فج، العرب وغير العرب، من الأندلس وخارجها. مما كان ذا أثر عظيم بالنهوض بفنون الموسيقى والشعر في تلك البلاد التي امتد الكثير من فنها إلى أوروبا .



إسهامات زرياب في الحياة الاجتماعية :
.................................................
لم يكتفِ زرياب بالإبداع في المجال الفني والموسيقي فقط وإنما أبى إلا وأن يترك بصمته الواضحة في الحياة الاجتماعية والعادات اليومية للمجتمع من حوله كذلك، ليضع بذلك أساس المجتمع الراقي المتقدم والمتحضر، وأساس الإنسان المدني المهذب بفعله وسلوكه، فهو من علّم الناس أناقة الملبس وتنويعه بين أوقات اليوم صباحاً ومساءً وبين الفصول الأربعة وتقلبات الجو المختلفة، كلبس الثياب الخفيفة القاتمة الألوان في الربيع والملابس البيضاء في الصيف والمعاطف والقبعات التي من فرو في الشتاء .
وهو الذي علّمهم فن التجميل والعناية بالبشرة ونظافة الجسد والبدن حيث يعد أوّل من استخدم مساحيق ومركبات لإزالة رائحة العرق. ويُعتقد أنه أول من أستخدم ما يشبه معجون الأسنان الآن في تنظيف أسنانه دون أن يتم إلى الآن معرفة محتوياته .ا
وهو الذي قام بإدخال قصات وتسريحات شعر مختلفة لكلا الجنسين لم يكن يعرفها الأندلسيون من قبل، بعد أن قام في البداية بتطبيقها على نفسه وأهله ليعجب بها أهالي الأندلس فيما بعد لمّا رأوها أنيقة وتضفي على الشخص جمالاً .



وفاته :
..........
توفي في قرطبة في عام ( 243هـ ) الموافق 857 م .

رحم الله زرياب وأحسن مثواه
وإلى حلقة قادمة من {فنانون منسيون من بلادي}
أستودعكم الله.
علاء الأديب
تونس / نابل
10-6-2019

المصادر:
............
ويكبيديا الموسوعة الحرة
صحيفة ساسة
صحيفة المرسال

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق