بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 15 فبراير 2021

مجلة صدى بغداد.. العدد الأول 2921 السيل .. للكاتب المصري طارق الصاوي خلف

 

 مجلة صدى بغداد..

العدد الأول 2921

 السيل ..

للكاتب المصري طارق الصاوي خلف

 

 



طويت حقيبتها بعد أن توسلت إليها بعبراتى أن لا تسافر، غلبها الحنين لمسقط رأسها فلم تنصت لرجائى، لوحت لى من النافذة، امسكتنى القشعريرة  و نفير السيارة يؤذن بالرحيل، أمضيت الليل أتقلب على جمر الحرمان كأنى رضيع  فطمته أمه، أطبقت يد قاسية  على عنقى، غرست أشواكا فى  قلبى، سعلت،  فتحت النافذة، ابتلع سحاب رمادى  الجبل المواجه  لمنزلى، اقتحمت الغرفة رياح باردة، تمايلت  الصور  على الحائط،  أغلقت منفذ الريح ولم  أسترح،   هاتفتها  بعد ساعات بطول دهر  ... حملت  حقيبة  لم تفرغ محتوياتها،  قصدت  المحطة الدولية بالعباسية، عانقت ابتسامتها فى الصورة، نظرت فى ساعتى  المفترض أن  تقترب راحلتها -الآن - من حمام فرعون حيث يتحول الطريق إلى أفعى والسائق إلى حاوى يوازن بين سرعته والانحناءات القاسية، قطعت مدية  الشوق – لها-  حبل صبرى، صار صوت الرعد مدفعية ثقيلة لجيش يتقدم والبرق طلقات كاشفة  تأخذ ببصرى،  صفقت الباب ، اندفعت أقدامى للسير وحيدا، تقصم العاصفة ظهري،  استترت بمدخل إحدى العمائر، فررت منها لأخرى، صعدت للدور الرابع، استقبلنى صديقى الحكيم بالبيجامة وعلى رأسه طاقية تغطى أذنيه ... صب كوب شاى لتدفئة أمعائى المرتجفة، بسط  مائدة الحديث كى أتناول معه فضول القول،  أفسحت  له المجال ليعزف منفردا بينما عقلى متوحد معها، عدت إلى الشارع، مرت صور مرعبة بخيالى   وكأنها تمسح دما نازفا اسفل ذقنها، نقر المطر بعنف  رأسى قلت لنفسى : هى بخير و سيقوم السائق بتشغيل المساحات ، يواصل تقدمه.
 صار المطر  زخات من كرات ثلج صغيرة ، هجر التيار الكهربائي  الشوارع، تخبطت كأعمى  فى  الأرصفة، دعوت الله أن ُتمسك السماء مائها رحمة بطفلة لها عين عسلية و وجه مستدير كالقمر و قلب صافى  .
زحفت جبال كاترين نحوى،  تربعت على قفصى الصدرى ، التقطت أنفاسي بصعوبة،  فركت جبهتى ،درت بعنقى نحو مقاهى بلا رواد ، محلات غابت زبائنها، واصلت السير تلامس  كتفى الجدران .
انبعثت الروح فى أعمدة الإنارة مع وصولى محطة الاتوبيس أنصت للناظر يقول لمحدثه : السيل قطع الطريق عند مفارق فيران .
فك  الوحش  قيوده، نهش عقلى، فجر بهجمات  الهواجس رأسى " الماء الساقط من قمة الجبل طوفان يحمل كل شئ فى طريقه إلى البحر ولا عاصم  للحافلة، طن صراخها  فى أذنى  مستغيثا"... استعذت بالله من الوسواس الخناس، وقف الاتوبيس  قبل معبر السيل – قلت لنفسى- لكن حجرا كبيرا انتزعه الماء الساقط من موضعه، دفعته الرياح السريعة، طار فى الهواء، حط على سطح السيارة المستسلمة، صحت بعنفوان قلقى : لا .. لا ... لا
 دفعتنى يد ثقيلة، فتحت عينى المجهدة، رفعت قربة الماء البارد عن جبهتى الملتهبة .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق