العدد 2 لسنة 2017
رافع آل جعفر الحديثي (اضاءات على حياة الشاعر وشعره)
الشاعر طلال سليم آل جعفر
- كان من المزمع نشر هذا البحث في الطبعة الجديدة للمجموعة الشعرية الكاملة للشاعر رافع سليم ال جعفر الحديثي غير ان اعتراض ولده (احمد) صاحب حق النشر على اعادة طبع المجموعة وخوفا على البحث من الضياع ارتأينا نشره على موقعكم الكريم حفظا لحقوقنا وتذكيرا بشاعر منسي شاء له الحظ و(الوريث) ان يكون كذلك
_______________
حياته ..
رافع الحديثي ، رافع سليم الحديثي ، رافع سليم آل جعفر . . .وهو آخر ما عرف به بعد ان كان يذيل اسمه بـ (الحديثي) في كتاباته الأولى في خمسينات وستينات القرن الماضي وظل هذا اللقب ملازما اياه عند جميع معارفه كما ظل الشاعر معتزا به كاعتزازنا جميعا بمدينتنا (حديثة النور) وما أنجبت من اعلام على مر تأريخها الحافل وأيامها المباركات رغم رسو اسمه على لقبه العائلي الأخير (آل جعفر) . .
ولد شاعرنا في حديثة الفرات / محافظة الأنبار / العراق عام 1937م لأبوين حديثيين من (الجعفر – شمر عبدة ) كما مثبت في دفتر نفوسه وهو الأخ الأكبر بيننا والأكثر علما ودراية وعلاقات مع الآخرين من وجهاء قوم ومثقفين واكاديميين له بينهم الصدارة في مجالسه واياهم لعلو همته ورصانة لغته وثقافته الموسوعية المتسعة اجتماعيا وادبيا كونه سليل اسرة ادبية عريقة ولأنه الأكبر عمرا بين اقرانه ممن نشأوا في جيل الخير من ابناء عمومته واخوانه لذا صار جليسا دائميا لوالده الشاعر سليم العبدالله وجده لأمه دللي الابراهيم رئيس (آل جعفر – حديثة) آنذاك ، ويكاد يكون صديقا لعمه مسلم العبدالله راوية الشعر البدوي وصاحب اللسان القويم والصراحة الصارمة ، والثلاثة من المتقدمين واصحاب الرأي في المدينة وبين رجالها .
وسط هذه الأجواء ومع هؤلاء وسواهم الكثير من رجالات (حديثة) الخير ولد رافع ونشأ وأكمل دراسته الأبتدائية فيها عام 1950م (تقريبا) لينتقل بعدها الى مدينة (عانة) حيث لم تكن قد افتتحت مدرسة ثانوية حينها في (حديثة) بعد ، وفي (عانة القديمة) وأجوائها الجميلة وطبيعتها الخلابة وبين احباء له منهم (بيت دلّه علي) اصدقاء والده في (عانة) حيث اقام بين بيوتهم وبيوت (الشيخ رجب) في جارتها مدينة (راوة) قضى رافع اجمل ايام عمره كما كان يروي متذكرا اياما هيهات لها ان تعود وفيها تفتحت قريحته الشعرية التي ولدت في (حديثة) واستقامت بين (الرمادي) و (بغداد) اللتين تنقل بينهما ليتم دراسته الثانوية ويلتحق طالبا في الدورة التربوية المسائية في معهد المعلمين المسائي في (الأعظمية / بغداد) عام 1954م (تقريبا) كي يتخرج منها بعد عام تأهيلي معلما حجز له مكانا في مدرسة الخلد الأبتدائية في (الوشاش / بغداد) ومارس عمله في التعليم داخلها لحين التحاقه بكلية العلوم الأسلامية / الأمام الأعظم / بغداد التي اتم فيها دراسته الجامعية لينال شهادة البكالوريوس في الشريعة عام 1969م ويمارس التدريس الثانوي في متوسطة العروبة / الكرخ محاضرا اضافة لأنتظامه في مدرسته الأولى الخلد الأبتدائية ومواصلا دراسته اثناء ذلك لنيل شهادة الدبلوم العالي في علوم المكتبات والتوثيق من جامعة بغداد والتي حصل عليها عام 1976م لتفتح له ابواب التدريس محاضرا في كليات تلك الجامعة بمادتي المكتبات واللغة العربية رغم عدم تخصصه فيها وذلك لنباهته وعلو شأنه وتمكنه من علوم اللغة ادبا ونحوا وبلاغة نال فيها حب زملاء له في التعليم الجامعي وطلبة ظلوا يحملون له الود والأعتراف بفضله في تسهيل مواد العربية وايصالها اليهم وتحبيبها لأنفسهم ، وكان قد اقترن في بغداد بزوجة اختارها من عائلة معروفة بصلاحها عام 1965م تاركا بعده ذرية صالحة من خمس اولاد استشهد احدهم (محمد) رحمه الله سنة 2006م وبعد وفاة ابيه باسبوعين برصاص الغدر على يد الميليشيات الطائفية وابنتين تزوج جميعهم وغادروا العراق واستقروا حيث شاء لهم الله .
عمل الشاعر اضافة لارتباطاته الوظيفية في مجال الاعلام ونشر العديد من القصائد والمقالات الأدبية في صحف ومجلات عراقية وعربية كما عاود في عام 1960م بمعية الأديب العراقي خالد محسن اسماعيل اصدار جريدة الفيحاء الأسبوعية التي كان يترأسها الشيخ كاظم الساعدي بعد اغلاقها من قبل الحكومة العراقية اثر نشرها لبيان اسلامي تعرض في محتواه للسلطة الحاكمة غير ان (الفيحاء) بهيئة تحريرها الجديدة توقفت عن الصدور بعد ستة اعداد او اقل من ذلك لأسباب امنية ومادية .
واكب الشاعر الحركة الأسلامية في العراق واقام له علاقات متينة مع أبرز رجالها منذ بداية نشأتها ممثلة بجمعية انقاذ فلسطين المؤسسة عام 1947م على يد المغفور له العلامة الشيخ امجد الزهاوي مفتي العراق ورئيس رابطة علمائه ، ثم جمعية الأخّوة الأسلامية المؤسسة عام 1949م على يد الشيخين الجليلين امجد الزهاوي ومحمد محمود الصواف المراقب الأول لجماعة الأخوان المسلمين في العراق واقام علاقات وطيدة معهما وسواهما مترددا على مقرات الجمعيات المذكورة منتميا الى جماعة الأخوان المسلمين التي انفصل عنها فيما بعد لأسباب هو أعلم بها .
شعره . .
سأتحدث عن شعر رافع الشاعر لا عن شعر أخي رافع لأني لو كتبت عنه اخا فلن استطيع ان اكون الا منحازا ، وكيف لا انحاز له وهو الأخ الأكبر بيننا والأقرب لأبيه الذي أورثه أكثر مما أورثنا أدبا ومنطقا ونباهة وشعرا ؟! لذلك ارتأيت الكتابة عنه كشاعر متمكن باحثا عن سقطاته ولكل شاعر سقطات فلم اجد من ذلك شيئا في شعره حين اكتمل عوده شاعرا وان توفر بعضها في شعر صباه ، وشعر الصبا لا يقاس عليه لأنه في الغالب وليد اهواء وعواطف ونزوات يجانبها الصدق الذي يلازم الرجل حين نضوجه وهذا واضح في شعر الشاعر بعد ان اكتمل وغدا شاعرا اسلاميا من الطراز الأول يكاد يكون لو احتفظ بشعره وروج له وطبعه في حياته لنافس سواه من شعراء هذا الطراز الذي اعتبرهم الباحث الأستاذ الدكتور بهجت عبد الغفور الحديثي في كتابه (القصيدة الأسلامية وشعراؤها في العراق) الصادر في 24/10/2011م عن (المكتب الجامعي الحديث في الأسكندرية / مصر) دون الشاعرين الموصلي (ذو النون يونس) والحديثي (رافع سليم) شعرا معتبرا اياهما وكما كتب في في (صفحة 77) من كتابه احسن من مثل الشعر الأسلامي في العراق حيث قال في (اضاءة فنية ومنهجية )عن شعراء القصيدة الأسلامية (كان الشاعران – ذو النون يونس ورافع سليم - في اكثر نماذجهما شاعرين بكل ما تعنيه كلمة شاعر حيث كان النبض الشعري ظاهرا لديهما لغة ومعنى وصياغة وصورة .. وكانت لديّ رغبة في تخصيص فصل لدراسة نقدية لهما ) . كما تحدث عنه في صفحة (206) من نفس الكتاب قائلا : (شاعر مطبوع ، مقتدر قليل الشعر ، ولكن قليله يغني عن الكثير من شعر شعراء طارت بهم الشهرة وذاع صيتهم في الآفاق ) وهو (قوي العبارة متين الصياغة ، يمتلك المفردة الشعرية ذات الدلالة العميقة والجرس الموسيقي المؤثر ، تأخذك روعة بيانه وجمال تصويره وكأنه جرير يغرف من بحر وقد تميز شعره بالنبض الايماني والحماسة الاسلامية ) .
وقصائد الشاعر التي سنمر ببعضها ونضع ابيات منها امام القارىء لا تنبي بغير ذلك ولا غرابة فهو كما اسلفنا سليل بيت شعري عموده والده الشاعر العامي سليم العبدالله واطنابه اهل بيته واعمامه واخواله بشكل عام اذ من لم يكن من هؤلاء شاعرا فهو متذوق وقارىء متميز للادب عامة والشعر خاصة كما انه زامل وعمل مع شعراء وادباء كبار منهم الشاعر خضر الطائي والاديب خالد محسن اسماعيل وجالس علماء اجلاء كالشيوخ والاساتذة امجد الزهاوي ومحمد محمود الصواف وعبد الكريم زيدان وعدنان الدليمي اظافة لكونه مستمعا ومصغيا لآخرين من رجال الادب والشعر والفقه والحديث وان زهد الشاعر بظهور شعره متجنبا طبعه ونشره في حياته لأسباب هو اعرف بها من سواه فلا يعطينا هذا الحق بتجاهل ما كتب بعد ان توفاه الله خاصة وان له حضورا متميزا في مهرجانات القصيدة الاسلامية التي كانت تقام في بغداد والموصل والانبار وسواها ابان نهوض الحركة الاسلامية في عقدي الخمسينات والستينات من القرن الماضي والتي احتضنت الشاعر في صفوفها مستعينة عليه باتجاهاته الاسلامية واستقامته في حياته الخاصة والعامة النابعة من تربيته البيتية مضافا لها علاقاته المتميزة مع اخيار الناس آنذاك فصار من اوائل المنضوين لحركة الأخوان المسلمين ومن ثم الحزب الأسلامي المنبثق عنها عام 1960م وان فارقهم سريعا لأختلاف في وجهات النظر مع بعضهم دون ان يؤثر ذلك الاختلاف على تمسكه بفكره الأخواني النظيف المتجلي في كتاباته وسلوكه في سنيه الأخيرة وحتى فارق الحياة في 2006م مما دعا اغلب من كتب وارخ للشعر الأسلامي الى الرجوع اليه مصدرا ونموذجا ملاحقين شعره كالذي دونته الدكتورة زينب بيره جگلي في كتاباتها عن (الله جلّ جلاله في الشعر الاسلامي المعاصر ) و(الشعر الاسلامي المعاصر /ج2) والتي تتحدث فيه عن الرسول الاعظم صلى الله عليه وسلم مذكّرة بـ (فضائله العظيمة وكرم خلقه يقول رافع سليم الحديثي :-
هو اليتيم بلا ند ولا شبه وأفضل الدر ما قد خص باليتم)
علاوة على ما استلته صحف ومجلات اسلامية وعربية من شعره كمجلة فلسطين المسلمة و الشهاب اللبنانية مثلا وسواها مما لا اتذكر وهذا ما حدا بمعظم من كتب عن الشعر الاسلامي للاستشهاد بشعره على قلة المتوفر منه كالذي دونه ويلفت النظر اليه الاستاذ الدكتور بهجت عبد الغفور الحديثي مشكورا في مقالاته واحاديثه عن الشعر الاسلامي باعتباره متخصصا في دراسته ومتابعته وما خصصه للشاعر من دراسة في كتابيه (حديثة والنواعير في الشعر العربي) بطبعاته الثلاثة و (القصيدة الاسلامية وشعراؤها في العراق) كما اسلفنا حيث خص فيها الشاعر بفصل كامل سلط فيه الضوء على شاعرية الشاعر مستشهدا بقصائد من شعره ، علاوة على ما نشره الشاعر في ستينات القرن الماضي في المجلات والصحف الاسلامية الأتجاه ومجلة الأجيال الصادرة عن نقابة المعلمين العراقية في ستينات القرن الماضي التي قرأت في احد اعدادها قصيدة للشاعر عن النواعير التي اهداها (الى الفرات الذي ظل يبكي لأنين النواعير حتى جفت دموعه) ، وفي سواها قرأت له قصيدة بعنوان (من وحي حمامات الدم في الدملماجة) وقد ضمها الدكتور هلال ناجي الى كتابه (حتى لا ننسى) الصادر في بغداد في ستينات القرن الماضي وخصصه لمجازر كركوك و الموصل في العهد القاسمي ، كما قرأت له في ذات التاريخ قصيدة للشاعر اهداها لصديقه الشاعر ميمون الكبيسي والتي يهيب من خلالها بالشباب ويدعوهم الى التمسك بدينهم وتجنب حياة العبث والمجون الذي لا يقود الا الى الهزيمة في قوله :-
دع اللهو وخذ حذرك من درب الشياطيـن
وجنّد نفسك الحيرى بجيش الحـق والديـن
وسر في درب من ساروا لاسعاد الملايين
وقد قرأتها على ما اتذكر في جريدة (الحياد) او(الجهاد) عام 1960م وردّ
عليها حينها الشاعر ميمون الكبيسي بقصيدة نشرت في عدد لاحق من الجريدة تنحى ذات منحى قصيدة (اخي) اعلاه ..
ويمضي الشاعر رافع الحديثي في شعره على ذات النهج من الدعوة الى التمسك بعرى الدين واستنهاض الهمم لدى الشباب عبر تذكيرهم بماض مجيد كان لأبائهم داعيا اياهم الى الثورة على التخلف موقنا ان لا مستقبل لهم بغير الغضب الموجه فيقول :- يا شباب الجيل يا رمز الفدا اغضبوا فالفوز ما دمتم غضابا
وكأني به قد استلهم قول الشاعر نزار قباني ( نريد جيلا غاضبا عملاق) .. لو لم يكن هو من قد سبق نزار بقصيدته مع الفارق الكبير بين توجه الشاعرين رغم القاسم المشترك بينهما المتمثل في حب الوطن واستنهاض الشباب للغضب لكرامة الوطن المستباحة .
ولو خضنا في بحور الشاعر التي تضم قصائده النبوية والاسلامية بوجه خاص لوجدنا فيها الشيء العجاب من قوة في السبك وتمكن من الشعر البليغ الذي لا يصدر الا من شاعر كتب له ان يكون شاعرا عن حق لا ادعاء تؤرقه هموم امته فيلهج لسانه مترجما ما في قلبه وهواجسه ومعاناته وهو يحكي عن حاله بــ :-
هجر النوم وبالليل استخفّا وتسامى عن هوى النفس وعفّا
وعـن النـوم تجافـى جنبـه تخـذ القـــرآن فـي منفـاه الـفـا
وما ثورته وارقه وهمه الا نتاج الواقع المر الذي تحيا به امته وهو يراها منتهكة من اعدائها الذين لا يميزون بين عربي واعجمي الا بقدر التزام هذا الأنسان بدينه وعقيدته لذلك يبكي (سراييفو) في البوسنة التي أدماها تآمر الشرق والغرب بغية سلخها عن معتقدها وما تبقّى لها ولآلآمها سوى الله كما يقول :-
ولك اللـه (سراييفو) على عظم البلوى .. فنصرالله أوفــى
ومن كان الله معه فلا خوف عليه وسيرعاه كما :-
ورعى الرحمن في (الشيشان) زحفا جعل الأيمان للالحاد حتفا
مع ثقة بالله ان لا تضير هذه الشعوب المظلومة عمالة وخسة قادتها حتى وان تحملت ما يتحمله اليوم الاحرار في العراق وسوريا ومصر واليمن وفلسطين وبورما وكل بقاع العالم الاسلامي على يد الصليبيين وحلفائهم باختلاف مشاربهم الذين اتخذوا من قادة هذه الدول المأبونة سوطا يسيمون به الشعوب سوء العذاب
هذي الشعوب التي اقتيدت مذللـة للنادبيــن صديــق العمـر (رابينا)
الخـانعيــن زرازيرا اذا عصفــت هوجا وان هدأت صاروا شواهينا
المغمضين عن (الأقصى) عيونهم أقــذار يا ليتهـم كـانـوا صهـايينـا
ليستطيع من لم يزل مغشوشا بوطنياتهم الزائفة التعامل معهم على انهم (صهايينا) ليس لهم الا الموت ان عاجلا او آجلا بعد خزي يكتب تأريخهم ليبقى الشعب حرا وهذا قدر الرجال :-
يموت الخانعون وانت حي وتخلد ايها الشعب الأبـي
الذي ستتوارى في عنفوانه وصدق عقيدته كل عصي الخانعين وسادتهم من صهاينة وصليبيين وصفويين كما :-
توارت في عصا (يحيى) حبال لأسرائيل وابتلعت عصي
وهنا لا يفوتني الاشارة الى الأقتباس الجميل للشاعر من قوله تعالى :- (والق ما في يمينك تلقف ما صنعوا انما صنعوا كيد ساحر ولا يفلح الساحر حيث أتى . – سورة طه / الاية 69) ومثل هذا في شعر رافع الكثيرالذي تنضح به قريحته المزدهاة بكتاب الله وسنة نبيه الكريم الذي كتب فيه أحلى القصائد وأصدقها :-
ارضعت حب رسول الله من صغري ولم اكن عن هوى طه بمنفطم
ويــزدهي فيـه شــعـري رغـم ركتـه وكـم تزيـن عقـد غيـر منتظـم
وقوله في مكان آخر :-
مـا بليـلى همـت او هنـد ولا بالثريـا شفّنـي الوجـد الملـحّ
انــا هيمـان بمـن كــل ادعــا غيـر ما شـرّع تهريـج ونبـح
ان وجدي بالحبيب المصطفى ضاق عن تبيانه متن وشرح
من رائعته (كيف اسلو) التي لم تكن اجمل وابلغ ما كتب في نبينا الأكرم عليه الصلاة والسلام ولكنها من جميلات شعره الذي نعى به على المنافقين والمهطعين من امته احتفاءهم واحتفالهم بالأعياد وهم يعيشون الهوان بأعتى صوره :-
أي عيـــد وللدمـاء مسـيـل من بنينا وما هناك نصير
خبـــرينــا ألـلأذلـــة عيــــد خبرينا أفي الصغار كبير؟!
رب مستكبر كما الطبل يعلو لم يرقه هذا الكلام الخطير
لأنه منافق مراء شفّ عنه ثوب الرياء فبان على حقيقته :-
شفّ ثوب الرياء عما يغطي وانتهينا لا ساحر مسحـور
وفي هذا البيت يرى الشاعر مهند ناطق الحديثي ( مبالغة في الذم عجيبة اذ ان الساحر هنا قد وقع عليه سحر ساحر آخر فهو مشين مرتين كونه ساحر ومسحور في آن واحد) وأوافق الشاعر مهند في قراءته هذه وانه لمن المبالغة في الذم بما لم نقرأ مثلها من قبل .
ولو انتقلنا الى مراثي الشاعر وهي قليلة وما وقع منها في ايدينا لا يتجاوز الست قصائد اقتصرت اثنتان منهما على تأبين شهداء كركوك والموصل ضحايا الأرهاب الشيوعي الذي ضرب المدينتين اثر حركة الشواف في اذار 1959م وعاث بالمدينتين قتلا وسحلا بالحبال وتعليقا على اعمدة الكهرباء وفي القصيدتين من العبرات ما يوجع القلب وقد نشرت احداهما في كتاب (حتى لا ننسى – فصول من مجزرة الموصل) للدكتور هلال ناجي الصادر عن مطبعة المعارف – بغداد /1962م كما اسلفنا ، والقيت الثانية في مهرجان اقيم في محطة ك/3 في حديثة بالانبار لتأبين شهداء كركوك في آب/1959م ، وبكت الثالثة الشهيد محمد محمود البنا الذي اغتيل في الرمادي على يد نفس الفئات وعملائها عام 1960م وفيها يحرّض الشاعر على الثورة وأخذ ثأره من المخنثين والعملاء :-
خذوا ثأر الشهيد من العميل ودكوا دولة الباغي الدخيل
بينما تنصرف الأخرى (لك المجد) لرثاء الشهيد المهندس يحيى عياش احد الكوادر المتقدمة في الحركة الفلسطينة / حماس التي طالته يد الغدر الصهيوني في غزة سنة 1996م وفيها من الجزالة ما ليس في سواها ومنها :-
لك المجد الذي من قبل أرسى دعائمـه على الوحي النبـي
وليـس بضائـر يحـويك قبــر وذكـرك عاطر عبق شـذي
فلم يهن الركـاز ببطن ارض ولم يكرم وان ظهر الردي
ويمكث تحت قعـر البحر در ويطفـو فوقـه الزبـد العفي
اما القصيدتان الأخيرتان فقد خص بهما صديقيه الشيخ محمد محمود الصواف والشاعر وليد الأعظمي وأبان فيهما عن حبه للمرثيين وعظم مصابه بهما وتأثره بفقدهما فقال في الصواف (الرمز الذي فقدناه) وبه فقد تأريخ وملاحم من الجهاد لا يسعى لها سواه :-
دعـا الى الله لم تصرفه لائمـة عنــه ولــم يلهــه مــال ولا جـــاه
ان الذرى للعقاب الحر منتجع كما الحضيض بغاث الطير تهواه
وقال عنه انه ترك المسلمين – والشاعر يعني من يعنيه – بين اثنين اما خانع لم يحسن سوى ارسال الآهات او متاجر بالدين همه جمع الدينار والدرهم تهيبا من ان يلحق به الفقر فقال :-
تركتنا اثنين اما واحد فغــدا يحصي الدراهم خوف الفقر يغشاه
وواحـــد ملأ الـدنيـا تأوهــه مـن فـــرط آهــاتــه قــد ملّـــه الآه
وفي هذا لمن ترك الصواف رحمه الله هجاءا مبطنا ولائمة على التخاذل ودعوة لليقظة والسير على ذات الطريق الذي نهجه الصواف الكبير . اما حين يتحدث عن صديقه الأقرب لنفسه وشاعر الدعوة الأول في العراق وليد الأعظمي فلا يرى ان هناك من يسمو سموه ويشغل مكانه :-
من للقـوافي الثائــرات سـواكـا من شـاعر يسـمو الى عليـاكـا
من ملهب بلظى القصيد زعانفا لم تبد ان حمي الوطيس حراكا
ثم يستعرض حياة وليد الشاعر ومواقفه بفخر حينا وبلوعة ومكابدة حرّى قد مس أوارها روحه وآذاه فترجمها شعرا باكيا ينم عن صدق عاطفة لا شائبة فيها وان كان يحسده على ميتة انقذته من حزن خيم عليه وهو يرى رعاع القوم واراذلهم يجوسون مدينة الأعظمية الفاضلة بما فيها من جمال وهيبة ومكانة سامية في قلوب المسلمين الحنفية خاصة لوجود ضريح الامام الأعظم ابو حنيفة النعمان فيها فيقول :-
نم يا ولـيد كفاك حزنا ان تـرى زمر الرعاع تجوس في أرجاكـا
اما حين نتحدث عن سقطات الشاعر فهي كما اسلفنا قليلة ظهرت في شعر الصبا وما على الصبا مأخذ كالتقريرية في قصيدته (سمراء) وهي من وجدانيات الشاعر:-
سمراء ويحك أني مظنى تصدى لظن
لا تحرميني وصالا فتفقدي خير خدن
ومقطوعته الأخرى (اختان) ، اظافة للبساطة في المعالجة كما في قصائد ومقطوعات ( بالله العوض ، ارادة البنات ، هيام ، اهواك ، اهلا بزائرنا ، خاتم ، لولاك ) والقصائد هذه من ابواب مختلفة يندرج معظمها تحت عنوان وجدانيات وهي لا ترقى بمجملها الى علو كعبه في الشعر اذا ما قورنت بنتاجه الذي قرأناه .
وقبل ان انهي حديثي عن الشاعر مترحما عليه وعلى من ورد ذكر له في قصائده او في موضوعنا هذا أود التنويه بأني لست بالناقد الذي يمتلك جرأة تؤهله للكتابة عن شاعر كشاعرنا الذي حصلنا على ما نقرؤه من شعره في هذا المطبوع بعد التيقن من ضياع جزء منه لعدم حصولنا عليه ولأنه – اي الشاعر – لم يكن مهتما بجمعه في مخطوط يعتمد عليه وانما وجد في اوراق ومسودات متناثرة في مكتبته حال على بعضها الزمن فصعب قراءة واستيضاح بعض مفرداتها كما انه ترك اكثرها دون عناوين مما اضطر ولده (احمد رافع) الى الأجتهاد في اختيار عناوين لها لم يوفق في معظمها ولن ترضي الشاعر لو اطلع عليها ، ومن الجدير بالذكر ان هذه الصحائف كادت تضيع لو لم يقم (احمد) بجمعها وتدوينها وطبعها في مصر تحت عنوان (هوى الراحلين) دون معرفة بالصنعة والجهل بأصولها فجاءت طبعة رديئة مليئة بأغلاط الطباعة وأغلاط الجامع الذي لم يدون اسمه على الكتاب ليتحمل مسؤولية أخطائه ولا يحملها للشاعر الذي كنا نتمنى ان يكون المطبوع الذي يخص شعره بمستواه الحقيقي ليضيف لمكتبة الشعر الاسلامي في العراق باقة تزيدها رفعة وسموا وتسطر اسم صاحبها في سجل الخالدين لا المنسيين . . وقد حزمنا امرنا وعزمنا على اعادة طبعها بصورة تليق بها وبشاعرها لولا معارضة ولده الناشر الأول لها واعتباره ان ذلك من حقه دون سواه فكان ان ضاعت بين سوء الحظ وسوء تقدير الوريث .
رحم الله الشاعر وآجره على ما كتب وجعله في ميزان حسناته وهيأ لشعره من يعيد اصداره بطبعة محققة تليق به . . ومن الله التوفيق .
________________________
تم بعونه تعالى
طلال سليم آل جعفر
اربيل – بحركة
5/ كانون الثاني /2017م
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق