بحث هذه المدونة الإلكترونية

الجمعة، 6 أبريل 2018

العدد الرابع لسنة 2018 موسوعة شعراء العربية /المجلد التاسع - الجزء الثاني // شعراء العصرالحديث ( الشاعرة فـــدوى ـ طوقــــــــــــان ) بقلم فالح الكيلاني


العدد الرابع لسنة 2018

موسوعة شعراء العربية /المجلد التاسع - الجزء الثاني // شعراء العصرالحديث

( الشاعرة فـــدوى ـ طوقــــــــــــان )

بقلم فالح الكيلاني





ولدت فدوى طوقان سنة\ 1917 في مدينة (نابلس) بفلسطين من عائلة فلسطينية اصيلة وعريقة. غنية ومحافظة جداً، وفي نابلس تلقت تعليمها الابتدائي الا انها لم تكمل مرحلة التعليم الابتدائي فقد أخرجت من المدرسة لأسباب اجتماعية قاسية، جعلتها تتلقى أول ضربة قاسية في حياتها فقد ألقى القدر في طريقها شابا في عمر الصبا رمى لها (وردة فل) تعبيراً عن إعجابه بها،
وكان هناك من يراقب الحالة ويتابعها ، فوشى بالأمر الى أخيها يوسف، وكان صعب المراس ودخل يوسف عليها كزوبعة هائجة (قولي الصدق)... وقالت الصدق لتنجو من اللغة الوحيدة التي كان يخاطب بها الآخرين، وهوالعنف والضرب بقبضتين حديديتين، وكان يتمتع بقوة بدنية كبيرة لممارسته رياضة حمل الأثقال فكان قويا وصعبا.
أصدر شقيقها يوسف حكمَه القاضي عليها بالإقامة الجبرية في البيت حتى يوم مماتها كما هددها بالقتل إذا تخطت عتبة باب المنزل، وخرج من الدار لتأديب الغلام.
عانت فدوى طوقان من قساوة الواقع الاجتماعي الذي قذف بها بعيداً بين جدران البيت السماوي في البلدة القديمة من مدينة (نابلس)، فتنظر إلى نفسها بشيء من الخجل والاتهام، لقد فقدت مدرستها التي أرادت أن تثبت نفسها من خلالها، وحرمت منها وهي في أمس الحاجة لها وكان موقف أبيها منها انه لا يخاطبها مباشرة على عادة الرجال في زمانه- وإنما يخاطب أمها إذا أراد أن يبلغها شيئاً، ثم تقوم أمها بعد ذلك بتوصيل ما يريده أبوها منها.
كان أشد ما عانته حرمانها من الذهاب الى المدرسة وانقطاعها عن الدراسة.
بدأت علاقة الشاعرة بأخيها إبراهيم منذ وقت مبكر من حياتها، وكان بالنسبة لها الأمل الوحيد المتبقي في عالمها المثقل بعذابات المرأة وظلم المجتمع، ورأت فيه الضوء الذي يطل عليها من خلف أستار العتمة والوحشة والوحدة.
شكلت عودة اخيها إبراهيم من ( بيروت ) إلى( نابلس )، في تموز\ 1929 ، بعد أن أكمل دراسته وحصل على شهادته من الجامعة الأمريكية في (بيروت)، عاملاً مساعداً لإعادة بعض الفرح إلى حياة فدوى طوقان، ورأت في قربه منها عاملاً مساعداً في إعادة ثقتها بنفسها، وترسيخ خطواتها على درب التعليم الذاتي الذي ألزمت نفسها به بعد أن أجبرت على ترك المدرسة، فتقول:
(كانت عاطفة حبي له قد تكونت من تجمع عدة انفعالات طفولية سعيدة كان هو مسببها وباعثها.
أول هدية تلقيتها في صغري كانت منه
وأول سفر من أسفار حياتي كان برفقته
كان هو الوحيد الذي ملأ فراغ النفس الذي عانيته بعد فقدان عمي، والطفولة التي كانت تبحث عن أب آخر يحتضنها بصورة أفضل وأجمل وجدت الأب الضائع مع الهدية الأولى والقبلة الأولى التي رافقتها في اخيها ابراهيم ).
وكان تعامله معها يعطيها انطباعاً بأنه معني بإسعادها وإشاعة الفرح في قلبها، وخاصة حين كان يصطحبها في مشاويره إلى الجانب الغربي من سفح جبل (عيبال).
وبعد إقامة إبراهيم في( نابلس ) بدأ سطر جديد في حياة فدوى طوقان فنذرت نفسها لخدمته والاعتناء به، وتهيئة شؤونه، ورأت في ذلك غاية سعادتها ومنتهى طموحها، وقد بلغ من تعلقها بأخيها أنها كانت تخاف عليه المرض والأذى، فهو الهواء الذي يتنفسه وكان إبراهيم يبادلها حباً بحب، يأخذ بيدها، ويحاول تخفيف معاناتها، بخاصة عندما عرف بقصتها، وما حل بها جراء فقدانها المدرسة ومكثوها في البيت فراح يعاملها بالحب والحنان الغامر.
ولم يترك القدر لفدوى هذا النور الذي لاح مضيئاً في سمائها المظلمة، فقد أقيل أخوها من عمله في القسم العربي في الإذاعة الفلسطينية وغادر مع عائلته إلى العراق بضعة أشهر مرض خلالها في العراق ثم عاد إلى
( نابلس) حيث توفاه الاجل فكانت وفاته اقوى ضربة أهوى بها القدر عليها ففجر فيها ينبوع ألم لا ينطفئ ومن هذا الينبوع تفجرت منابع أشعارها على اختلاف موضوعاتها وهكذا انكسرت نفسيها في داخل اعماقها وسكنتها حرقة اليتم على حد قولها.
تقول في رثاء اخيها ابراهيم طوقان :
يا أخا الروحِ رجاءً لا تمُتْ
أو فخُذْ روحي معك
ليتني أحمِلُ عن قلبكَ ما
يوجع قلبك
لو ترى كم رفع القلبُ إلى اللّه
صلاة القلب كي يشفي بروح منه جُرحَك
يا أخا الروح رجاءً لا تمُتْ
نقطةُ الضوءِ بعمري أنت
نبراسي المضيء
ابْقَ لي أرجوك
ابْقَ الضوءَ والنكهةَ والمعنَى
وأحلى صفحةٍ في سِفْر شِعري
وّجَت آخرَ عمري
حلمٌ
حلمتُ...
رأيت قصائد قلبي التي لم أقلها
تموت واحدة بعد أخرى
حزنتُ... وقمت إليها
ألملمها جثثًا ورفاتْ
بكيت عليها وغسلّتها بالدموعْ
وسلّمتها لمهب الرياحْ
رجعت بخفي حنينْ
بكفين فارغتين
كانت فدوى تتابع أخاها إبراهيم في كتابته للشعر، وتوجيهه للطلاب الذين كانوا يكتبونه فعلمها كيف تكتب الشعر وتحفظه . واختار لها قصائد ثم يقول لها :
- لقد تعمدت أن أختار هذا الشعر لك لتري كيف كانت نساء العرب تكتب الشعر الجميل،
وهكذا بدأت رحلتها مع الشعر تحفظ القصائد التي يختارها لها اخوها إبراهيم، وبدأت تتعلم من جديد في مدرستها الجديدة التي فتح إبراهيم أبوابها، وهي مرحلة تشعر فيها بذاتيتها وإنسانيتها وحقها في التعلم، وتجدد معها ثقتها بنفسها فأصبحت خفيفة كالطائر، ولم تعد مثقلة القلب بالهم والتعب والنفس.

فقد درست على يد أخيها الشاعر الكبير إبراهيم طوقان، الذي نمّى مواهبها ووجهها نحو كتابة الشعر، كما شجعها على نشره في العديد من الصحف العربية، وأسماها (أم تمّام). ثم أسماها الشاعر (محمود درويش) (أم الشعر الفلسطيني).
وقد وقّعت قصائدها الأولى باسماء مستعارة مثل (دنانير) ، وهو اسم جارية عباسية، او باسم ( المطوقة ) كات احب الاسماء الى قلبها لانه يمثل إشارة مزدوجة، وفيه تورية فصيحة إلى حال الشاعرة. فالمطوقة تعني انتسابها إلى عائلة طوقان المعروفة، وكذلك يرمز إلى وجودها في مجتمع تقليدي قاس ارهقها كثيرا . بدأت فدوى طوقان بكتابة الشعر العمودي، ثم مالت إلى الشعر الحر فكتبت فيه الكثير ما احلاها وهي تغني:
أوت الى الحقل كطيف كئيب
يرسو بعينها أسى غامر
في روحها اللهفى اضطراب غريب
وقلق مستبهم ، خائر . . .
غامضة ، في العمق أغوارها
فيض انفعالات وإحساس
صيّرها شذوذ أطوارها
غريبة في عالم الناس
تأملت في السنبل الوادع
يموج في الحقل زكيّا نماه
تكاد في سكونها الخاشع
تسمع في السنبل نبض الحياه
وفي رؤى خيالها الشارد
منجذباً بروعة السنبل
لاحت لعينيها يد الحاصد
يخفق فيها شبح المنجل
رأت رغيفا جبلته دموع
دموع مكدودين مستضفين
أنضاء حرمان وبؤس وجوع
هانوا على الرحمة والراحمين
رأته في كفّ غنيّ بخيل
سطت عليه يده الجانيه
الخبز في كيانه يستحيل
خلجات شح كزّةً قاسية
ومدّت الأفكار أظلالها
فلم تزل شاخصة في وجوم
من أبصر استغراقها خالها
مخبولة تهيم فوق الغيوم
كانت تناجي ما وراء الفضاء
قوى القضاء الغامض المبهم :
من يمطر الرزق على ذي الثراء
ويمسك الرزق عن المعدم ؟
كم بائس ، كم جائع ، كم فقير
يكدح لا يجني سوى بؤسه
ومترف يلهو بدنيا الفجور
قد حصر الحياة في كأسه
أرحمه الله بعليا سماء
تقول أن يكتظّ جوف الثري ؟!
ويحرم المعوز قوت الحياة
في عيشه المضطرب الأعسر
أليس في قدرته القادره
أن يمسح البؤس ويمحو الشقاء !
أليس في قوّته القاهره
أن يغمر الأرض بعدل السماء !
وراعها صوت عميق مثير
جلجل فيها مثل صوت القدر :
لم تحبس السماء رزق الفقير
لكنه في الأرض ظلم البشر . .
وأطرقت ، نهباً لشك مريب
يملؤها منه أسىً غامر
في روحها اللهفى اضطراب غريب
وقلق مستبهم ، حائر
توالت النكبات في حياة فدوى طوقان فقد توفي والدها ثم أخوها إبراهيم الذي كان معلمها الاول في الثقافة والادب والشعر ، وأعقب ذلك إحتلال فلسطين في نكبة سنة \1948، وقد تركت تلك المآسي المتلاحقة أثرها الواضح في نفسية فدوى طوقان كما يتبين من شعرها وقد دفعت الاحوال القاسية فدوى طوقان إلى المشاركة في الحياة السياسية خلال الخمسينيات من القرن الماضي.
أتغصب أرضي؟
أ يسلب حقي وأبقى أنا حليف التشرد
أصبحت ذلة عاري هنا
أأبقى هنا لأموت غربياً بأرض غريبة
أأبقى ؟ ومن قالها؟ سأعود لأرضي الحبيبة
سأنهي بنفسي هذه الرواية
فلا بد ، لا بد من عودتي
كان بعينه يرسب شيء
ثقيل كآلامه مظلم
لقد كان يرسب سبع سنين
انتظار طواها بصبر ذليل
تخدره عصبة المجرمين
وترقد تحت حلم ثقيل
أهوى على أرضه في انفعال يشم ثراها
يعانق أشجارها ويضم لآلئ حصاها
ومرغ كالطفل في صدرها الرحب خداً وفم
وألقى على حضنها كل ثقل سنين الألم
وهزته أنفاسها وهي ترتعش رعشة حب
وأصغى إلى قلبها وهو يهمس همسة عتب
رجعت إلي
وكانت عيون العدو اللئيم على خطوتين
رمته بنظرة حقد ونقمة
كما يرشق المتوحش سهمه
ومزق جوف السكوت المهيب صدى طلقتين.
- وتقول فدوى طوقان في قصيدة الأفضال :
إلي أين أهرب منك وتهرب مني؟
إلي أين أمضي وتمضي؟
ونحن نعيش بسجن من العشق
سجن بنيناه، نحن اختياراً
ورحنا يد بيد..
نرسخ في الأرض أركانه
ونعلي ونرفع جدرانه
تأثرت فدوى طوقان باحتلال فلسطين بعد نكبة \ 1948 كثيرا وزاد تأثرها اكثر بعد احتلال مدينة ( نابلس ) خلال حرب\ 1967 فذاقت طعم الاحتلال وطعم الظلم والقهر وانعدام الحرية و كانت قضية فلسطين تمثل وجدانا داميا في أعماق فدوى فيأتي شعرها الوطني صادقا متماسكا أصيلا لا مكان فيه للتعسف والافتعال .تقول :
على أبوابِ يافا يا أحِبائي
وفي فوضى حُطامِ الدُّورِ ، بين الرَّدْمِ والشَّوْكِ
وقفْتُ وقلتُ للعينين :
يا عينين قِفا نبكِ
على أطلالِ مَنْ رحلوا وفاتوها
تُنادي مَنْ بناها الدارْ
وتَنعى مَنْ بناها الدارْ
وأنَّ القلبُ مُنسحقاً
وقال القلبُ :
(ما فَعَلَتْ بِكِ الأيامُ يا دارُ ؟
وأينَ القاطنونَ هُنا ؟
وهلْ جاءَتْكِ بعدَ النأي ، هل جاءَتْكِ أخبارُ ؟
هُنا كانوا ، هُنا حلموا
هُنا رَسموا مشاريعَ الغدِ الآتي
فأينَ الحُلْمُ والآتي ؟ وأيْنَ هُمُو ؟
وأيْنَ هُمُو ؟)
ولمْ ينطِقُ حُطامُ الدارْ
ولمْ ينطِقْ هُناك سوى غيابِهِمُو
وصمْت الصَّمْت والهِجرانْ
وكان هُناكَ جمعُ البومِ والأشباحِ
غريبَ الوجهِ واليدِ واللسانِ ، وكان
يُحوِّمُ في حواشيها
يمدُّ أُصُولَه فيها
وكانَ الآمِرَ الناهي
وكانَ ... وكانْ ...
وغُصَّ القلبُ بالأحزان
كان حمزة
واحداً من بلدتي كالآخرين
طيباً يأكل خبزه
بيد الكدح كقومي البسطاء الطيبينْ
قال لي حين التقينا ذات يوم
وأنا أخبط في تيهِ الهزيمة :
اصمدي ، لا تضعفي يا بنةَ عمي
هذه الأرضُ التي تحصدها نارُ الجريمة
والتي تنكمشُ اليوم بحزنٍ وسكوتْ
هذه الأرض سيبقى
قلبُها المغدورُ حياً لا يموتْ
ونلاحظ في شعر فدوى طوقان وقصائدها انها تمثل الفتاة الفلسطينية التي تعيش في مجتمع تحكمه التقاليد والعادات البالية فقد منعت من إكمال تعليمها وإبراز مواهبها الأدبية ومن المشاركة في الحياة العامة للشعراء والمثقفين ومنعت من الزواج مما جعلها تدعو في كثير من قصائدها إلى تحرر المرأة ومنحها حقوقها واحترام مواهبها وإبداعاتها، وجعلها محط احترام وتقدير تقول :
هناك فوق الربوة العالية
هناك في الأصائل الساجيه
فتاة أحلام خالية
تسبح في أجوائها النائيه
الصمت والظلّ وأفكارها
رفاقها ، والسرحة الحانية
حياتها قصيدة فذّة
منبعها الحسّ ونيرانه
وحلم محيّر تائه
من قلق اللهمة ألوانه
حياتها بحر نأى غوره
وإن بدت للعين شطآنه
رنت فتاة الشعر مأخوذةً
بصور الطبيعة الخالية
والأفق الغربي تطفو به
ألوانه الورديه اللّاهبه
كأنه أرض خرافيّةٌ
هوت اليها شمسه الغاربه
ودّت وفيها لهفٌ كاسح
لو تأخذ الكون الى صدرها
تحضنه وتشبع الروح من
آياته الكبرى ومن سحرها
تعانق الأرض . . تضمُ السنا
تقبّل الغيوم في سيرها
ودفعت بعينها في المدى
تنهبه بالنظرة الواغله
ما أجمل الوجود ! واستغرقت
في نشوة فائضة شامله
تلتهم الكون بإحساسها
بقلبها، بروحها الذّاهلة
ما أجمل الوجود !! لكنها
أيقظها من حلو أحساسها
فراشة تجدَ لت في الثرى
تودعه آخر أنفاسها
تموت في صمت كأن لم تفض
مسارح الروض بأعراسها
دنت إليها و انثنت فوقها
ترفعها مشفقة حانيه:
أختاه ، ماذا ؟هل جفاك الندى
فمتّ في أيامك الزاهية ؟
هل صدّ عنك الزهر ؟هل ضيّعت
هواك أنسام الربى اللاهيه؟
كم أشعلت روحك حمّى الصبى
وأنت سكرى بالشذى و الرضاب
طافرةً بين رياض الهوى
راقصة فوق الربى و الهضاب
توشوشين الزهر حتى يُرى
منفعلاً من هذيانِ الشباب
كم بلبل بالورد ذي صبوةٍ
ألهبت فيه الغيرة السّاعرة
كم زنبق عانقته كم شذى
روّيت منه روحك الفائره.
فأين منك الآن دنيا الهوى
وأين أحلام الهوى الساحره!!
ماذا ؟ تموتين ؟ فوا حسرتا
على عروس الروض بنت الربيع
أهكذا في فوران الصّبى
يطويك إعصار الفناء المريع
وحيدةً ، لا شيّعتك الربى
ولا بكى الروض بقلب صديع
أختاه لا تأسي فهذي أنا
أبكيك بالشعر الحنون الرقيق
قد أنطوي مثلك منسيّةً
لا صاحب يذكرني أو رفيق
أواه : ما أقسى الردى ينتهي
بنا الى كهف الفناء السحيق !
واضطربت اعماقها مثلما
دوّم إعصارٌ بقلب الخضم
و انتفضت مذعورة في أسىً
و ارتعدت مرعوبة في ألم
فلم يكن يصدم أحلامها
إلا رؤى الموت وطيف العدم
وحدّقت في غير شيء وقد
حوّمت الأشباح في رأسها
ولا صور الوجود خلابة
تنبعث النشوة في نفسها
ولا رؤى الخيال رفّافة
تخدّر المحموم من هجسها
و دفق الليل كبحر طغى
فانحدرت تحت عباب المساء
تخبط في الدرب و قد غمغمت
شاخصة المقلة نحو السماء
يا مبدع الوجود ، لو صنته
من عبث الموت و طيش الفناء
حملت فدوى طوقان رسالة الشعر النسوي في الشعرالحديث والمعاصر ومكنها من ذلك تضلعها في الفصحى وتمرسها بالبيان وهي لا تردد شعرا مصنوعا تفوح منه رائحة الترجمة والاقتباس وكانها لها أمداً بعيداً هي منطلقة نحوه وقد انشق أمامها الطريق .تقول:
لم تحبس السماء رزق الفقير
لكنه في الأرض ظلم البشر
وأطرقت ، نهباً لشك مريب
يملؤها منه أسىً غامر
في روحها اللهفى اضطراب غريب
وقلق مستبهم ، حائر!..
. وفي مساء السبت الثاني عشر من شهر كانون الاول ( ديسمبر) عام 2003 ودعت فدوى طوقان الحياة الدنيا عن عمر يناهز السادسة والثمانين عامًا قضتها مناضلة بكلماتها وأشعارها في سبيل حرية فلسطين،
وكُتب على قبرها قصيدتها المشهورة:

كفاني أموت عليها وأدفن فيها
وتحت ثراها أذوب وأفنى
وأبعث عشبًا على أرضها
وأبعث زهرة إليها
تعبث بها كف طفل نمته بلادي
كفاني أظل بحضن بلادي
ترابًا،‌ وعشبًا، وزهرة. ...

اما آثارها الادبية والثقافية
صدرت للشاعرة المجموعات الشعرية التالية تباعاً:
وحدي مع الأيام ديوان شعر
وجدتها ديوان شعر
أعطنا حباً ديوان شعر
أمام الباب المغلق ديوان شعر
الليل والفرسان ديوان شعر
على قمة الدنيا وحيدا ديوان شعر
تموز والشيء الآخر ديوا ن شعر
اللحن الأخير ديوان شعر
وقد ترجمت منتخبات من شعرها إلى اللغات: الإنجليزية والألمانية والفرنسية والإيطالية والفارسية والعبرية.
أخي إبراهيم، المكتبة العصرية،
رحلة صعبة- رحلة جبلية (سيرة ذاتية) وترجم إلى الانجليزية والفرنسية واليابانية والعبرية.
الرحلة الأصعب (سيرة ذاتية) نثر ترجم إلى الفرنسية.

واختم بحثي بهذه القصيدة الجميلةلشاعرتنا فدوى طوقان :
كان وراء البنت الطفلةِ
عشرةُ أعوامْ
حين دعته بصوتٍ مخنوقٍ بالدمعِ:
حنانك خذني
كن لي أنت الأبَ
كن لي الأمّ
وكن لي الأهلْ
وحدي أنا
لا شيء أنا
أنا ظلّ
وحدي في كون مهجور
فيه الحبُّ تجمّدْ
فيه الحسُّ تبلّدْ
وأنا الطفلةُ تصبو للحبِّ وتهفو
للفرحِ الطفْليِّ الساذجْ
للنطّ على الحبلِ
وللغوصِ بماءِ البركةِ
للّهو مع الأطفالْ
لتسلّق أشجارِ الدارْ
القمعُ يعذبني
والسطوة ترهبني
والجسم سقيمٌ منهار
أرفعُ وجهي نحو سماءِ الليلْ
أهتفُ
أرجُو
أتوسّل:
ظلّلني تحت جناحيكَ
أغثني
خذني من عشرة أعوامِي
من ظلمةِ أيامي خذنِي
وسّعْ لي حضنَك دَعْني
أتوسَّدُ صدرَك امنحني
أمنًا وسلام
يا بلسمَ جرحِ المطحونينْ
وخلاص المنبوذين المحرومينْ
خذني!
خذني!
يجري نهرُ الأيام يمرُّ العامُ
وراءَ العامِ وراءَ العامِ
الطفلةُ تكبَرُ والأنثى
وردةُ بستانْ
تتفتّح والأطيارُ تطوفْ
وتحوم رفوفًا حول الوردةِ
بعد رفوفْ
الزّمنُ الصعْبُ يصالحها
ومجالي الكوْن تضاحكها
والحبُّ يفيضُ عليها
من كلّ جهات الدنيا
ويطوّقها بتمائمه
ويباركها بشعائِرِه
ويساقيها من كوثرِهِ
ما أحلى الحبّ وما أبهاه!
الأنثى الوردةُ بعد سُراها
وتخبّطها في ليلِ متاههْ
تتربَّعُ في ملكوتِ الحبّْ
تصير إلههْ
هالاتُ النورِ تتوّجُها
وتلاطفها قُبَلُ الأنسامْ
ما أحلى الحبّ وما أبهاهْ!
فيه الليلُ سماءٌ تَهْمِي
تُمطر موسيقى وقصائدْ
وقناديلُ الكلماتِ تصبُّ
الضوءَ على أملٍ واعدْ
ما أحلى الحبّْ!
تتفتح فيه عيون القلبْ
ما أحلاه حين يمسُّ شغافَ القلبِ
فيبصرُ ما لا يبصرهُ العقلُ ويدرِكُ
ما لا يدركه الفكرُ ويسبرُ ما لا
تبلغُهُ الأفهامْ
ما أحلى الحبّ وما أبهاهْ!
كونٌ مكتملٌ ومعافى
لم يتشظَّ ولم يتمزَّقْ
يتناسق فيه العمرُ ويمسي
إيقاعًا كونيّ الأنغامْ
تتماهى فيهِ (أنا) مع (أنتْ)
تزهو بحوارٍ موصولٍ
حتى في الصمتْ
ما أحلى الحبّ وما أبهاهْ!
يحيا بين يديْه رميمْ
تندى أرضٌ, تحضرُّ عظامْ
فيه الزمنُ المسحورُ يقاسُ
بدقّاتِ القلبِ المبهورْ
لا بالسَّاعاتِ يُقاس ولا
بتوالي الأشهرِ والأعوامْ
ما أحلى الحبّْ!

امير البيــــــــــــان العربي
د. فالح نصيف الحجية الكيلاني
العراق- ديالى - بلــــــــد روز

****************************

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق